منتدون حول الذكاء الاصطناعي... تحديات العمل والأخلاق

30 مايو 2023
تشهد المرحلة الحالية اختلالاً وفوضى (مكتبة قطر الوطنية)
+ الخط -

يشكل الذكاء الاصطناعي جملةً من التحديات والفرص والاعتبارات الأخلاقية المترتبة على استخدامه، بما يمتلكه من تأثير في إعادة تشكيل عالمنا على الصعد المهنية والمجتمعية والثقافية.

وفي الجلسة التي عقدها الصالون الثقافي في مكتبة قطر الوطنية مساء أمس الإثنين، بعنوان "الذكاء الاصطناعي.. العلم وتحديات العمل والأخلاق"، قال مدير معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة، أحمد المقرمد، إن هناك ضجيجاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حول سؤال يتكرر: هل يدق هذا الاختراع أجراس الخطر، أم  يزفّ بداية تضيء شعلة المستقبل؟

مرحلة اختلال

أشار المقرمد إلى أن المرحلة الحالية تشهد اختلالاً وفوضى يعكسان صراعات الشركات المستفيدة، مثل "أوبن إيه آي" و"غوغل" و"أمازون" و"إنفيديا" و"مايكروسوفت"، التي تطرح آلاف التطبيقات، فتجد "أوبن إيه آي" مطورة برنامج "تشات جي بي تي" ChatGPT هي ذاتها التي تحذر من أخطار وجودية على البشر بسبب الذكاء الاصطناعي، وتجد إيلون ماسك أحد رواد الذكاء الاصطناعي يروّج للسيارات ذاتية القيادة، ثم يطالب بحظر مؤقت على تطوير هذه التقنية، متحالفاً مع جيفري هينتون الذي استقال قبل شهر من "غوغل" حتى يتحدث من دون ضغوط عن مخاطر محدقة في هذا الحقل.

إضافة إلى ورقته التي شارك بها، أدار المقرمد جلسة الصالون التي استضافت من جامعة حمد بن خليفة خبير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في معهد قطر لبحوث الحوسبة غانم السليطي، وأستاذ الدراسات الإسلامية وأخلاقيات الطب الحيوي محمد غالي.

تناول غانم السليطي جوانب العمل والشؤون الوظيفية في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، قائلاً إن الناس يتعاملون منذ سنوات طويلة مع منصات يتغلغل فيها هذا الاختراع من خلف الكواليس، لكنه أصبح الشغل الشاغل لهم بعد ظهور تقنية ChatGPT، وبرزت مخاوف من فقدان الوظائف، مع تقارير إعلامية تشير إلى مئات الملايين ممن ستحل محلهم الآلات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وأضاف أن بين المشجعين والقلقين ثمة وجهة نظر تفيد بأن الذكاء الاصطناعي صديق للبشر ويساهم في تحسين إنتاجيتهم ولا يحل محلهم، "ووجهة النظر هذه هي ما نتبناه في معهد قطر لبحوث الحوسبة".

مبالغات

أما عن التقارير والدراسات السلبية التي صدرت في السنوات الماضية، فقال إنه ثبت حجم مبالغاتها، ومنها دراسة جامعة أكسفورد سنة 2013 التي ذكرت أن نسبة 94 في المائة من وظائف المحاسبة ستجري أتمتتها، وخلال عقد أو عقدين ستختفي وظيفة المحاسب. ولكن البيانات التي قال إنه تابعها في موقع وزارة العمل الأميركية منذ 2013 حتى 2021 أثبتت عكس ما ذهبت إليه الدراسة.

والأمر الأكثر سلبية، كما أوضح، جاء على لسان جيفري هينتون الذي يلقب بـ"عرّاب الذكاء الاصطناعي". ففي محاضرة له عام 2016، قال هينتون إن وظيفة خبراء الأشعة ستندثر خلال خمس سنوات، مطالباً بوجوب وقف تدريب هؤلاء الخبراء، لأن الذكاء الاصطناعي سيصبح قادراً على أداء مهماتهم. ولكن البيانات التي يوردها تقرير جمعية خبراء الأشعة في الولايات المتحدة الأميركية يظهر أن ما حدث هو العكس تماماً.

ووفق ما قال السليطي، فإن الذكاء الاصطناعي أداة لتطوير وتعزيز القدرات والوظائف البشرية وليس للحلول محلها. فقد يستخدم الطبيب برنامجاً للمساعدة في اكتشاف المشكلات الصحية لدى المرضى، ‏وقد يستخدمه المعلّم لمساعدة كل طالب على التعلّم بطريقته الخاصة. وفي هذه الحالات، لا يحل ‏الذكاء الاصطناعي محل الموظفين، بل يصبح أداة مفيدة تساعدهم على أداء وظائفهم بشكل أفضل‏‎.

وخَلُص إلى أن "الذكاء الاصطناعي يستطيع تولي مهمة معينة في وظيفة الشخص لكن ليس بمقدوره تحمل كل المهام، ولو أن شخصاً أخذ وظيفتك فليس هو الذكاء الاصطناعي، بل آخر أحسن استخدامه واطلع على أحدث ما توصل إليه هذا العلم".

مزيد من التعقيد 

حول الجوانب الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، قال محمد غالي إنه بالنظر إلى الوضع الحالي وتوقّع التطوّرات المقبلة، "يبدو أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستضفي المزيد من التعقيد على المسائل الأخلاقية"، مشيراً إلى أن ‏السيناريو الأسوأ هو تحوّل "إنتاج المعرفة" إلى سوق تجاري تتحكم فيه الشركات الضخمة ‏للتكنولوجيا، لأنها ستتمكن من الحصول على أكبر قدر ممكن من الملكيات الفكرية.

وأضاف غالي أن هذا التطوّر سيشكّل تحديات جسيمة ليس فقط على مستوى المبادئ الأخلاقية الكبرى، بل أيضاً أمام تطبيقها على أرض الواقع بما يتفق مع ثقافات الشعوب ومعتقداتها الدينية، آملاً أن يكتسب عموم الناس الوعي بمثل هذه المخاطر وأن ينتج عن ذلك ضغط على هذه الشركات لتغيير ‏سلوكها إزاء هذه الجوانب الأخلاقية.

ولدى استعراضه الثورات التقنية الكبرى في التاريخ بدءاً من الانتقال من المشافهة إلى الكتابة بخط اليد، مروراً باختراع المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر ميلادياً، ثم الرقمنة وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي، فإن كل هذه الطفرات كانت لها فوائد عظيمة لكن كانت لها مخاطر أيضاً، كما أوضح.

وواصل القول إن كل طفرة كان فيها تيار متضرر أو متخوف، كالخوف على الكتب المقدسة من المطبعة، أو رفض الوراقين والخطاطين في الدولة العثمانية لهذه الآلة التي ضربت رزقهم، حتى أن الأستانة (إسطنبول) شهدت حركة احتجاجية من المشتغلين بالخط اليدوي حملوا نعشاً وضعوا فيه الأقلام والمحابر.

غير أن السياق الذي أشار إليه مع طفرة الذكاء الاصطناعي مختلف، إذ جاء ما بعد الدولة الحديثة، "فهو ليس أميركا ولا الصين ولا الهند، بل (غوغل) و(فيسبوك) و(تويتر) و(أوبن إيه آي). وهذه مجموعات لم نخترها ولم ننتخبها. وهي ليست وزيراً حتى نحاسبه، بل صاحب شركة مسؤوليته أمام المساهمين فيها، ولذلك نحن أمام تحديات أخلاقية غير مسبوقة لا بد من الإعداد لمواجهتها".

وفصل في هذا بالقول إن عصر الذكاء الاصطناعي "جعل الجميع مؤلفين ضمن ما يعرف بدمقرطة الآراء، فصرنا أمام كم هائل من الانفجار المعلوماتي وليس بالضرورة المعرفي لا يمكن أن نحصره".

فعلى المستوى الكمي نحن أمام ثورة، أما في الإنتاج المعرفي فنحن أمام تكنولوجيا مزعجة، ومن مجال تخصصه أستاذاً للدراسات الإسلامية، لاحظ غالي أن البعض يسألون ChatGPT عن فتاوى "وهذا أمر خطير"، مضيفاً أن هذه التقنية لا تعطي وزناً يفرق بين تغريدة على "تويتر" ومقولة لعالم في كتاب من أمهات الكتب.

ومع إيمانه بأن هذه الشركات الضخمة نتاج نيوليبرالي لا يحفل بوجود العالم العربي والإسلامي إذا لم يكن ممثلاً بقوة في عالم الرقمنة، فقد أشار إلى أن ثورة الرقمنة كشفت "حجم تأخرنا" قروناً عن الثورات المعرفية، وعليه فإن ChatGPT على سبيل المثال "لا يمكن أن يراك" لأنه يتعامل مع بيانات واصفاً عدم إتاحة "جزء هائل من تراثنا رقمياً" بالمأساة.

المساهمون