"مليحة"... فلسطين خيار آمن لـ"المتحدة"

21 فبراير 2024
يتفقدون ركام بيوتهم في رفح بعد القصف (أحمد حسب الله / Getty)
+ الخط -

بدأت إعلانات مسلسلات رمضان تنتشر مع اقتراب الشهر. أخيراً، ظهر ملصق لمسلسل مصري اسمه "مليحة" من إنتاج الشركة المتحدة. جاء في وصف المسلسل أنه "يناقش القضية الفلسطينية، وتدور أحداثه حول قضية فتاة فلسطينية تدعى مليحة، كانت تعيش في ليبيا بعدما تركت فلسطين مع جدّيها بعد أحداث الانتفاضة عام 2000، وذلك بسبب تدمير الاحتلال لمنزلهم". انتشر ملصق المسلسل، بينما العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يدخل شهره الخامس، ومصر مصممة على عدم فتح معبر رفح، تاركة لجيش الاحتلال حرية قصف المدينة، والتحكم بدخول المساعدات الإنسانيّة، بينما يعمد المستوطنون إلى عرقلة دخول الشاحنات.
عبارة "يناقش القضية الفلسطينيّة" غامضة، خصوصاً الآن في زمن سقطت فيه الأقنعة وانكشفت الحسابات السياسيّة، لكنه يتماشى مع إنتاجات "الشركة المتحدة" التابعة للمخابرات المصريّة، والتي تحتفي بالجيش المصري وعبد الفتاح السيسي بوصفه مخلص مصر من الإرهاب.
لا يوحي ملصق المسلسل بشيء سوى أنه محاولة مبتذلة لمحاكاة صور الدمار التي تنتشر من قطاع غزّة، ومساهمة مصر في الحد من تدفق النازحين، سواء عبر نظام الموافقات الأمنية، التابع للمخابرات المصريّة، أو الجدار الذي يزداد ارتفاعاً لفصل مصر عن قطاع غزّة، والذي للمفارقة يديرهما الشخص نفسه، رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني المقرّب من المخابرات المصريّة.
لا يمكن الطلب من أي عمل فني أن يكون راهناً أو انفعالياً، لكن مسلسل "مليحة" يثير الشبهات ويحفز على الأسئلة. فما هي السردية المصرية التي ستقدم عن انتفاضة عام 2000؟ وما هي الحبكة التي ستوافق عليها المخابرات المصريّة، خصوصاً أمام ما نشهده الآن، والدور الفاعل الذي تلعبه السلطة في مصر في مواجهة مع الشارع الذي ينتصر لقطاع غزة؟
نسأل لأن الدعوة إلى الإضراب العام انتصاراً لقطاع غزة لم تصل إلى مصر، والسبب بحسب تعليقات رسميّة "لم يروج له بما فيه الكفاية". كذلك أشارت مؤلفة المسلسل رشا الجزار إلى أن شخصية الضابط أدهم "تُبرز الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية".
هذه العودة إلى "التاريخ" تمثل خياراً آمناً لصنّاع المسلسل ولشركة المتحدة، فالرهان على القضية الفلسطينيّة محق دوماً، لكنه سيكشف عن الأيديولوجيا بعد عرض حلقاته الـ15، وكيف تقدم السلطة المصرية بقيادة السيسي، خصوصاً أنها الآن في مأزق اقتصادي، وصل حد عرض الأموال على السيسي مقابل "استقبال" الفلسطينيين، الأمر الذي رفضه بوضوح، ولم يقترح حلاً سياسياً يحافظ على الحق الفلسطينيّ، بل قال: "ليأخذوهم إلى صحراء النقب".
يعيد الملصق إلى الذاكرة الجدل الذي اشتعل حول فيلم جاكي شان عندما صُوّر في سورية، فوق حطام الأحياء التي دمرها نظام الأسد. الأمر ذاته مع فيلم الليث حجو "حبل سري". الفيلمان يعيدان تقديم "تاريخ المكان" والقضية السورية بصورة أيديولوجية بحتة، أشبه بالبروباغندا، إذ يعاد كتابة التاريخ ضمن المساحة المتخيلة، وترسيخه في مساحة متخففة من وطأة الأخبار اليومية والرعب المحيط بها.

تكمن خطورة إنتاجات كـ "مليحة" تابعة للمخابرات وأجهزة الدولة، في أنها قادرة على تغيير الحكاية في المخيلة، عبر الشاشات التي نشاهد فيها المسلسل ونحن مسترخون، بعيدون عن توتر الموت المحتم والقلق منه. هي مساحة استثمرت فيها "المتحدة" سابقاً عبر سلسلة "الاختيار" بأجزائه الثلاثة، الذي يمجد الجيش المصري وعبد الفتاح السيسي، من دون أي إشارة إلى القمع أو الاستثمارات التي استولى عليها الجيش مغرقاً مصر بالديون التي تقابلها مشاريع مدن عملاقة، لا يستطيع المواطن المصري تحمل نفقاتها، ليبقى السؤال: ما هو ذوق المخابرات المصرية في رمضان 2024؟

المساهمون