اشتهر اسم مارتن بشير، المراسل التلفزيوني لدى هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في عام 1995، بعد إجرائه مقابلة تلفزيونية مع الأميرة البريطانية الراحلة ديانا، شاهدها حينها ما يقارب 23 مليون شخص. شكّلت المقابلة نقطة تحوّل في مسيرته المهنية له، كونها روت تفاصيل حميمية عن الزواج الفاشل لأمير وأميرة ويلز، وحياة ديانا داخل العائلة المالكة، قبل عامين من وفاتها في حادث سيارة في فرنسا.
قد تبدو غريبة عودة هذه المقابلة اليوم إلى واجهة الأحداث والعناوين الرئيسية، بالرغم من مرور 25 عامًا عليها. بيد أن هناك مزاعم جديدة، تتهم بشير بتزوير وثائق واستخدام أساليب مشبوهة أخرى، لكسب ثقة عائلة الأميرة، وإنجاز المقابلة. الأمر الذي دفع "بي بي سي"، بعد أيام طويلة من الجدل والتقارير الإعلامية والاتهامات لبشير من أخي الأميرة، إلى التعهّد بإجراء تحقيق مستقل كامل حول كيفية حصول مارتن بشير على مقابلته الشخصية مع الأميرة ديانا في عام 1995.
يُقال إن الوضع الصحي لـبشير لا يسمح له بالرد على الادّعاءات بشأن مقابلته مع ديانا، كونه مريضا بشكل خطير بسبب مضاعفات متعلقة بإصابته بكوفيد-19. بيد أنّ صحيفة "ميل أون صنداي"، نشرت صورة له، خلال عطلة نهاية الأسبوع، تظهره بعد زيارته لمتجر للوجبات السريعة والنبيذ. وتقول الصحيفة إن الصورة التقطت مساء الجمعة، خارج منزل الرجل البالغ من العمر 57 عاماً في شمال لندن.
إلى ذلك، أكد تيم ديفي، المدير العام لـ"بي بي سي"، أن هيئة الإذاعة البريطانية ستعلن عن شروط التحقيق في الأيام المقبلة، وأنّ المؤسسة تأخذ هذا الأمر على محمل الجد وأنها بصدد التكليف بإجراء تحقيق قوي ومستقل. يأتي هذا الإعلان بعد أسابيع من الحملة التي شنها شقيق الأميرة ديانا، إيرل سبنسر، يتّهم فيها بشيرا بخداعها مرارًا من أجل الوصول إلى العائلة المالكة، بعد انهيار زواج ديانا من الأمير تشارلز، وأيضاً في الوقت الذي تستعد فيه قناة "آي تي في" لبث مقابلة مع مات ويسلر، مصمم الغرافيك الذي طلب منه بشير محاكاة البيانات المصرفية المزيفة التي يُقال إنها ساعدت الصحافي في تأمين مقابلته الشهيرة.
يوضح سبنسر إن الوثائق المزورة أعطت انطباعاً بأن شركاء العائلة المالكة كانوا يبيعون قصصهم للصحف، وأن هذا الأمر وغيره من أساليب الخداع، كان السبب في تعريف أخته الأميرة بـ بشير الذي كان حينها لا يزال صحافيا مغموراً.
خداع ديانا بمعلومات عن بيع العائلة المالكة قصصها للإعلام
وبعد وقت قصير من بث الحلقة، زُعم أنّه تم إنشاء كشفين مصرفيين مزيفين، لإقناع ديانا بالمضي قدمًا في المقابلة. بيد أن "بي بي سي" برّأت آنذاك بشيرا من ارتكاب أي مخالفات في تحقيق أجرته عام 1996، بينما أعلنت أن مصمم الغرافيك الذي اتبع أوامر بشير "لن يعمل معها مرة أخرى". ابتعد بعدها ويسلر عن العمل في وسائل الإعلام، وهو يعمل الآن في شركة تصميم الدراجات في ديفون. وفي الوقت ذاته، استمر بشير في مهنة صحافية ناجحة في العالم.
اليوم، يريد مصمم الغرافيك تبرئة نفسه بعدما تشوهت سمعته بسبب أفعال بشير. ويروي ما جرى قبل سنوات طويلة، حين تلقى مكالمة هاتفية من مارتن بشير، طلب منه خدمة عاجلة ومهمّة. ويقول ويسلر: "طلب مني مارتن إعداد بيانين مصرفيين حول الأشخاص الذين يتلقون رواتبهم، للقيام بالمراقبة التي يحتاجها في اليوم التالي. وقال إنه سيستخدمهما فقط كنسخ"، وذلك بحسب ما أوردت صحيفة "ذا غارديان".
يتابع ويسلر أنّه شعر بالقلق فيما بعد حول ما طلب منه القيام به. وازداد الأمر سوءًا عندما عاد إلى المنزل ليجد أن شقته قد تعرّضت للسرقة، وأنه عندما بحث في ملفات الكمبيوتر في المكتب، لم يتمكن من العثور على أي من النسخ الاحتياطية التي صنعها لمارتن بشير. ويضيف أن هذه الحادثة هزّت ثقته في المؤسسة، وأنه كان يعتقد بسذاجة أن العمل لدى "بي بي سي"، هو عمل من أجل الصالح العام قبل كل شيء. بيد أنّ هذه المقابلة، أسقطت تلك الصورة المثالية عنها، ليدرك أن جميع المسائل إنّما تتعلق بالإدارة العليا وكبار المنتجين والمقدمين الذين يحمون أنفسهم قبل كل شيء وبأي ثمن. وما يطلبه ويسلر من "بي بي سي" في هذه الحالة، هو أن تتقدّم باعتذار صادق لأنه كان الشخص الذي سقط في هذه القضية، التي كان لها تأثير هائل على حياته.
في المقابل، لمع اسم بشير في عالم الصحافة، ففي عام 1999 انتقل بشير من هيئة الإذاعة البريطانية إلى آي تي في، وفي عام 2003، أجرى مقابلة أخرى رفيعة المستوى مع النجم مايكل جاكسون. أمضى بشير ثمانية أشهر في العمل مع المغني لإنتاج الفيلم الوثائقي "العيش مع مايكل جاكسون". وتعتبر مقابلة الأميرة ديانا، النقطة الأساسية التي مهّدت الطريق لـ بشير لإجراء مقابلات مع مشاهير آخرين، بما في ذلك مايكل باريمور وجيفري آرتشر.
وحصل بشير سابقًا على جوائز عن عمله، بما في ذلك ثلاثة ترشيحات من بافتا وجائزة صحافي العام، من "جمعية التلفزيون الملكي" RTS لعام 1996. ويعمل حالياً مراسلاً للشؤون الدينية في "بي بي سي". أمام كل هذه الإنجازات التي تمّ تحقيقها بعد مقابلة الأميرة، يطلب شقيقها الأصغر، إيرل سبنسر، تحقيقاً واعتذارًا لأخته بعد وفاتها، وتبرعات للجمعيات الخيرية التي أقيمت إحياء لذكراها. ويؤكّد أنه ما كان ليقدم بشيرا لأخته، لو لم يعرض عليه وثائق مزورة.