هل هناك حياة بالفعل خارج كوكبنا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي طبيعة هذه الحياة؟ هل هناك كائنات تراقبنا أو يمكن أن تزورنا؟ تساؤلات مثيرة اتخذ الحديث عنها طابعاً رسمياً خلال الفترة الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن شكل البنتاغون مكتباً جديداً للتحقيق في أمر الأجسام الطائرة المجهولة، وخصص الكونغرس إحدى جلساته في يوليو/ تموز الماضي للاستماع إلى الشهادات الواردة حول هذا الشأن.
التفت متحف صن فالي في ولاية أيداهو الأميركية، أخيراً، إلى هذه القضية المثيرة للجدل، بتنظيمه معرضاً فنياً حول هذا الأمر. يستمر المعرض حتى 2 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، تحت عنوان "مشاهد" (Sightings) ويضم أعمالاً لسبعة فنانين يعرضون رؤيتهم الخاصة حول الحياة خارج الأرض، والعلاقة بين البشر والسماء.
يدعو المتحف الجمهور لاستكشاف العالم الغامض للأجسام الطائرة المجهولة، وتأمل العلاقة العميقة مع سماء الليل. يذهب أحد التقارير التي أفصح عنها الكونغرس إلى أن مشاهدات هذه الأجسام الطائرة المجهولة قد ارتفعت إلى ألف مشاهدة خلال فترة الإغلاق بسبب وباء كوفيد-19. ليس من قبيل الصدفة أن يتصدى متحف صن فالي لهذا الأمر، فأيداهو الولاية الأكثر حظاً بين الولايات الأميركية من حيث عدد المشاهدات المسجلة للأجسام الغامضة. يفسر بعضهم هذا الارتفاع الملحوظ في عدد المشاهدات داخل هذه الولاية الريفية، لكونها تضم برية مترامية الأطراف، وتمتعها بسماء ليل صافية.
تضم ولاية أيداهو، الواقعة في الشمال الغربي للولايات المتحدة، أكبر محمية في العالم للسماء المظلمة، وتبلغ مساحتها 1416 ميلاً مربعاً يحظر فيها استخدام الأضواء الاصطناعية. في هذه المساحة الشاسعة غير الملوثة بالأضواء الاصطناعية، يمكن الاستمتاع بمشهد السماء الصافية المرصعة بالنجوم. يقع متحف صن فالي على حافة هذه المحمية التي تعد خلفية مثالية لاستكشاف افتتان الإنسان بالمجهول والكون، ومسرحاً للعديد من القصص المتداولة حول زيارات الكائنات الفضائية لكوكب الأرض.
يتخذ المعرض نهجاً مختلفاً في تناوله لهذا الموضوع، فبدلاً من التركيز على تفاصيل ما يدعي الأفراد أنهم رأوه، يسعى المعرض إلى استكشاف الأسباب التي تدعو البشر إلى تأمل السماء، وتفاعلهم مع الظواهر الغامضة التي قد تطرأ أمامهم أحياناً.
يضم المعرض مزيجاً مميزاً من الأعمال الفنية التي أنشئ بعضها بتكليف من المتحف. بين هذه الأعمال، تبرز لوحات الفنانة الأميركية ديب سوكولو، برسوماتها ذات التكوينات المعقدة. تسلط سوكولو الضوء على الميل البشري للبحث عن الحقائق المخفية. تدعونا أعمالها إلى التشكيك في القصص التي نرويها لأنفسنا، والكيفية التي نتصور بها العالم خارج محيطنا المباشر. بدوره، يوظف فنان المناظر الطبيعية الخيالية، كابل غريفيث، براعته الفنية في استكشاف طبيعة الحياة خارج كوكب الأرض. كما تتعمق أعمال كارلا نايت داخل العقل الباطن، وتواجه المجهول من خلال تركيبات مجردة وسوريالية للبحث في ألغاز، الكون كما تقول.
أما الفنان روبين أونيل، فيعبر في أعماله عن أحلامه الغامضة التي طالما شكلت رؤيته البصرية للأشياء. هذه الأفكار الغامضة نفسها تعبر عنها الفنانة إيستر بيرل واتسون التي تطمس خلالها الحدود بين المألوف وغير المألوف.
إلى جانب هؤلاء الفنانين الخمسة، يحتفي المعرض كذلك بأعمال اثنين من الفنانين الراحلين، وهما تيموثي ويلي وإيونيل تالبازان. تمتعت تجربتا ويلي وتالبازان بالغموض، إذ كرسا حياتيهما للحديث والتعبير عن فكرة الحياة خارج كوكب الأرض والكائنات الفضائية. تيموثي ويلي (1940 - 2017) كان كاتباً ومهندساً معمارياً، لكنه تفرغ للفن في منتصف الثمانينيات بعد أن ادعى أنه التقى بكائنات فضائية. ورغم تميز ويلي بغزارة إنتاجه، إلا أنه كان يرفض رفضاً تاماً عرض أعماله للبيع أو الانخراط بأي شكل في سوق الفن. ولد الفنان في لندن وهاجر في شبابه إلى الولايات المتحدة الأميركية. امتلأت أعمال ويلي بالدوائر والرموز والنقوش والكائنات الغريبة والأطباق الطائرة. أما إيونيل تالبازان (1955 – 2015) فهو فنان أميركي من أصل روماني، عرف أيضاً بأعماله عن الأطباق الطائرة والأجسام المجهولة. ادعى تالبازان أنه حين كان طفلاً في الثامنة من عمره، اختطفته الكائنات الفضائية بينما كان يسير قرب أحد الحقول في قريته. كرس تالبازان أعماله لرسم هذه الأطباق وتصميمها الداخلي، وهي مشاهد عاينها عن قرب كما كان يقول دائماً، وغالباً ما تظهر هذه الرسوم مصحوبة بكتابات شارحة باللغة الرومانية. عاش تالبازان معظم حياته على الكفاف، وكان ينام في بعض الأحيان في صندوق من الورق المقوى حتى اكتشفه أحد تجار الفن عام 1990.
يدعونا معرض "مشاهد" إلى النظر إلى النجوم ليس من أجل مراقبة الصحون الطائرة، ولكن للتفكير على نحو جدي في أسباب بحث البشرية الدائم عن المجهول. هي دعوة للنظر إلى السماء والتفكير في الإمكانيات اللامتناهية الموجودة خارج أفق حياتنا الأرضية.