مشاهد من حياة زوجية: كأنّها حكاية قابلة للحدوث

10 نوفمبر 2021
المسلسل مأخوذ عن آخر يحمل نفس العنوان لـ إنغمار برغمان (HBO)
+ الخط -

الزواج، الانفصال، وانهيار العلاقات... كلها ثيمات ومواضيع قابلة دائماً لإعادة التشكيل، والمعالجة من زوايا مختلفة، وصنع أعمال ناجحة، كان آخرها فيلم Marriage Story (قصة زواج) من إنتاج "نتفليكس"، وإخراج نواه بومباك.

أخيراً، أطلقت منصة HBO عملاً بعنوان Scenes From a Marriage (مشاهد من حياة زوجية) في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو مسلسل قصير، يتألف من خمس حلقات (مدة كل منها ساعة تقريباً)، عُرض على هامش مهرجان البندقية السينمائي. العمل مقتبس عن مسلسل المخرج السويدي، إنغمار برغمان، الذي يحمل الاسم نفسه، وخرج من عباءته كثير من الأعمال اللاحقة التي ناقشت هذه الثيمات.
يتناول المسلسل الذي كتبه وأخرجه هاغاي ليفي، قصة زوجين أميركيين، هما جوناثان (أوسكار إسحق)، الأستاذ في كلية الفلسفة، وميرا (جيسيكا تشاستين)، المديرة التنفيذية الطموحة في إحدى الشركات التقنية، والتي تكون خيانتها السبب المباشر في انهيار الزواج، بعد تراكمات كثيرة، على مدى عشر سنوات، متوارية تحت السطح.
عن علاقة زواج تمر بمنعطفات كبيرة ومدمرة، تم عكس الأدوار بين الزوجين، نسبة إلى نص برغمان الأصلي؛ إذ نرى ميرا، هنا، هي الطرف المعيل في العلاقة، الأنجح عملياً، والتي تترك زواجها وطفلتها الوحيدة، سعياً وراء رغباتها، بينما جوناثان هو المهتم برعاية الطفلة، ويمثّل الجانب الأكثر تمسّكاً بالعلاقة.
"في بداية العلاقة، يبدو أنه لا شيء يمكن أن يؤذيك، وبعد ذلك تبدأ تدريجيًا في إدراك حقيقة أن أي شيء بإمكانه إيذاؤك". هذه إحدى إجابات ميرا على أسئلة طالبة الدراسات العليا، التي تلتقي بالزوجين في إطار أطروحتها حول دراسات النوع الاجتماعي. ولكن، رغم محاولة كل من جوناثان وميرا تنميق الأجوبة، بما يتناسب مع الصورة التي يصدرانها عن "الزواج السعيد"؛ فإن اضطراب ميرا يوحي بأن شيئاً على وشك الحدوث. بدايةٌ تُحاكي مسلسل برغمان؛ إذ نتعرف إلى الزوجين من خلال مقابلة تجريها صحافية لصالح إحدى المجلات.


مع تقدم الحلقات، تقول ميرا لجوناثان في حديث دار بينهما: "لا أعرف ما إذا كان بإمكاننا أن نكون في نفس الغرفة، من دون أن نؤذي بعضنا بعضاً". يمكننا القول، في هذا السياق، إن المسلسل عن الحب المؤذي، وآلام الانفصال، وانعكاساته الرهيبة، وتأثيره على الحياة بعدها. عمل عن الشعور بالوحدة، كثمن للتحرر من العلاقة، عن الحب والخسارات والمتاهات العاطفية والازدواجية، والغضب المكبوت.. كذلك، عن الغليان في الداخل القادر على التخفي أحياناً، والانفجار المدمر في أحيان أخرى.
الأسلوب الذي اتبعه المخرج في عرض الكواليس قبل بداية كل حلقة، جعل الأحداث التالية بعد دوران الكاميرا قابلة للتفكير بمعزل عن الممثلين، بل يمكن تخيلها كأحداث يمكن أن تتكرر بين أي زوجين، وكأننا نراقب عن بعد مشاهد حدثت، أو قابلة للحدوث، في حياة أيّ منّا.. ولكن، في نفس الوقت، بدا هذا الأسلوب كعامل مشتت للمشاهد.
الضوء، وحركة الكاميرا وهي تلاحق الزوجين بين الغرف، رسّخا الشعور بالضيق الملازم للشخصيات. كذلك، اعتماد السرد على الحوارات الطويلة، جعل انعطافات الحبكة معتمدة على اللحظات الكاشفة في الحوار، التي من شأنها أن تصعّد أو تخفف من وتيرة المشهد، ما وضع معظم الثقل على أوسكار إسحاق وجيسيكا تشاستين في استخدام أدواتهما لإيصال الحالات المختلفة التي يمران بها. وإضافة إلى أدائهما العالي؛ فالكيمياء واضحة بينهما. هما أصدقاء دراسة في جامعة جوليارد للدراما في نيويورك، عملا معاً في عدة أعمال، كما أديا سابقاً دور زوجين في فيلم "العام الأكثر عنفاً" (2014).
عند متابعة المسلسل، لا يمكننا تجاهل المقارنة مع "مشاهد من الحياة الزوجية" (1973)، بطولة إيرلاند جوزيفسون (يوهان) وليف أولمان (ماريان). كانت السلسلة أول عمل تلفزيوني من كتابة وإخراج إنغمار برغمان في حياته المهنية، التي أمضاها في صناعة الأفلام. استوحى المخرج السويدي المسلسل من سيرته الذاتية، وضمّنه التحولات الثقافية وأثرها على المجتمع والعلاقات.
في ذلك الوقت، كانت الموجة الثانية للحركة النسوية في أوجها، وهو الوقت الذي كانت فيه معدلات الطلاق ترتفع بشكل كبير، وكان كثيرون يدركون أنه لا بد من التمرد على الأدوار التقليدية للجنسين التي تم تحديدها لهم. سعى برغمان إلى الكتابة عن الأذى العاطفي، الذي غالبًا ما يلحقه الرجال بالنساء، وإسقاطه على تلك الفترة من خلال عرض أجزاء من علاقة الزوجين يوهان وماريان، من خلال مسلسل بث لاحقاً في الولايات المتحدة الأميركية، بعد النجاح الهائل، تم اختزاله إلى فيلم، كما اقتبست منه عدة مسرحيات، عرضت في ميونيخ عام 1981.

يقف برغمان على مسافة واحدة من الزوجين، ويتوغل في خلفيات شخصياته ودوافعها، بينما يتبنى "مشاهد من الحياة الزوجية" (2021) وجهة نظر ذكورية، فانفعالات جوناثان وعواطفه وصراعاته الداخلية مفهومة ومبررة، بينما هناك نقص في بناء شخصية ميرا، يمنعنا من فهم سلوكها والتعاطف معها، باستثناء مرور ضئيل على علاقتها بوالديها اللذين انفصلا منذ طفولتها. ورغم أن "للجميع أسبابه"، إلّا أن مقاربات خوفها من الالتزام، وعلاقتها المضطربة بجوناثان، مخاوفها من الأمومة، تركت لوحة "البازل" ناقصة.

المساهمون