مسلسل Manhunt... التاريخ الأميركي في مُتخيّل مؤامراتي

15 يوليو 2024
يُعرض Manhunt على منصة آبل تي في بلس (يوتيوب)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **قصة اغتيال ومطاردة**: يروي مسلسل Manhunt على آبل تي في بلس قصة اغتيال الرئيس أبراهام لنكولن ومطاردة قاتله جون ويلكس بوث، مستندًا إلى كتاب "مطاردة: 12 يوماً في أعقاب قاتل لنكولن" لجيمس إل. سوانسون.

- **رحلة الهروب والمطاردة**: يتتبع المسلسل هروب بوث ومحاولته العودة إلى الجنوب، بينما يقود إدوين ستانتون عملية مطاردة مكثفة، كاشفًا عن تعقيدات التحالفات السياسية والوضع الوطني غير المستقر.

- **تحليل سياسي واجتماعي**: يعرض المسلسل تحليلًا للمشهد السياسي والاجتماعي في أعقاب اغتيال لنكولن، مع رسم أوجه تشابه مع الوضع الحالي في الولايات المتحدة، ويتميز بأسلوب رصين وتوازن بين الآكشن والسياسة.

لم يُغتَل رئيس أميركي علناً منذ اغتيال أبراهام لنكولن (الرئيس الـ16 بتاريخ البلاد)، إلا عند مقتل جون كينيدي (الرئيس الـ35) في سيارته في عام 1963، كما يذكّرنا مسلسل Manhunt المعروض أخيراً على منصة آبل تي في بلس. يروي هذا المسلسل المكون من سبع حلقات قصّة مطاردة قاتل الرئيس أبراهام لنكولن، المغتال في 15 إبريل/نيسان 1865. ويستخدم العمل المقتبس من كتاب "مطاردة: 12 يوماً في أعقاب قاتل لنكولن"، بقلم جيمس إل. سوانسون، الحبكة المقترحة من العنوان نفسه ليروي شيئاً من التاريخ السياسي لأميركا في منتصف القرن التاسع عشر عند نهاية الحرب الأهلية، أثناء تحليله كيف سبقت هذه الاصطفافات والانشقاقات الاجتماعية، واستمرت حتى بعد ذلك الحدث الإجرامي.

البحث عن جون ويلكس بوث، قاتل أبراهام لنكولن، هو الدليل الذي يعمل على ربط قصة تتحرّك ذهاباً وإياباً في الزمن، فيما تسرد الخطط التي سبقتها عواقبها السياسية. يظهر الخط السردي الرئيسي شيئاً فشيئاً في حلقات مشدودة، بمساعدة ملصقات توضيحية تشرح السياق. النقطة المركزية أن بوث (أنتوني بويل)، وهو ممثل مشهور جداً في ذلك الوقت، يدخل مسرح فورد في واشنطن العاصمة في 15 إبريل/نيسان 1865، ويصل إلى الشرفة التي كان لنكولن، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، يشاهد منها إحدى المسرحيات مع زوجته، ويطلق عليه الرصاص في رأسه، ويهرب.

خمسة أيام فقط كانت قد مرّت على إعلان نهاية الحرب الأهلية، التي انتصر فيها الشمال بقيادة لنكولن. هكذا، أنجز بوث، الكونفدرالي من الجنوب، الجزء الخاص به من خطة معقّدة للعودة إلى الكفاح المسلّح، وهي خطة، لأسباب سيتابعها المسلسل، لم يُكتب لها النجاح. في أعقاب جريمته، يهرب بوث مصاباً في إحدى قدميه، والمسؤول عن ملاحقته هو إدوين ستانتون (توبياس مينزيس)، وزير حرب الرئيس المغتال وصديقه المخلص، الذي يكتشف أن بوث جزء من مؤامرة واسعة النطاق يدعمها المعسكر الكونفدرالي لإسقاط لنكولن ونشر الفوضى في جميع أنحاء البلاد.

ما يرويه مسلسل Manhunt من ناحية، رحلة بوث في هروبه عبر الريف الأميركي، محاولاً العودة إلى الجنوب (هدفه ريتشموند، فيرجينيا، عاصمة الكونفدرالية)، بصحبة لويس باول (سبنسر تريت كلارك)، وغيره من أشخاص يساعدونه في الطريق هم جزء من "المؤامرة" أو المدافعين عن الكونفدرالية. ومن ناحية أخرى، عملية المطاردة التي يخوضها ستانتون، بمساعدة الشرطة والصحافة والسلطات في بعض الحالات.

لكن كل شيء أكثر تعقيداً مما يبدو، فهناك تحالفات متقاطعة، والوضع الوطني لا يزال غير واضح، وشكوك كثيرة حول مستقبل البلاد، بدءاً بمَن يتولّى منصب الرئيس، أندرو جونسون (غلين مورشور)، الذي لا يبدو مهتماً بمواصلة سياسات لينكولن لإنهاء العبودية. وداخل تلك الازدواجية نفسها، يكمن العديد غيرها، حتى جمهور وأثرياء وول ستريت نفسه.

يتعمّق مسلسل Manhunt المُصّنف "خيال مؤامراتي"، مطعّماً ببعض الخيال الدرامي اللازم، في قصة المؤامرة المثيرة في أعقاب أول عملية اغتيال لرئيس أميركي والنضال من أجل الحفاظ على مُثُل خطة إعادة الإعمار التي وضعها لنكولن وحمايتها. تكمن براعة السيناريو (مونيكا بيليتسكي) في أنه لا يعرض الأبطال والأشرار مدرسياً. لنكولن (الذي جسّده هاميش لينكلاتر في ذكريات مستعادة غالباً) وستانتون لديهما مناطق رمادية وغموض عندما يتعلق الأمر بتعاملاتهما السياسية. وبوث، بقدر ما هو متعصّب بشأن الانفصال، يتجاوز عنصريته الصريحة ويظهر رجلاً مثقفاً وذكياً قادراً على إلقاء كتابات شكسبير وإدغار آلان بو عن ظهر قلب.

هكذا، أثناء تحليل المشهد السياسي في ذلك الوقت (هناك حبكة فرعية كاملة مرتبطة بالمحاولات الصعبة التي تبذلها عبدة سابقة للتوقف عن اعتبارها كذلك) يضيّق ستانتون الخناق على القاتل الهارب ويحاصره.

كيف يرسم مسلسل Manhunt بلداً منقسماً؟

في حين أن المسلسل قد يبدو وكأنه درس في التاريخ الأميركي، يحاول رسم أوجه تشابه مع الوضع الحالي في ذلك البلد المنقسم بين أولئك المؤيدين لدونالد ترامب ولا يثقون حتى بنتائج الانتخابات، من ناحية، وأولئك المؤمنين بالتقاليد الديمقراطية الليبرالية للبلاد، من ناحية أخرى؛ يأتي مسلسل Manhunt دائماً كمسلسل آكشن وإثارة يحتوي على مؤامرات سياسية ومفاجآت عدة تبدو في بعض الأحيان أنها تأخذ زخارف أفلام Noir البوليسية.

قد يكون هذا مرتبطاً بحقيقة أن من بين صنّاع العمل الرئيسيين نجوم السينما البوليسية، مثل كارل فرانكلين وجون دال، المسؤولين عن إخراج الحلقات الأربع الأولى من حلقاته السبع. أسلوب المسلسل نفسه، الذي يتعامل معه الاثنان حرفياً، رصين ودقيق في عمله على حبكةٍ معقدة، مليئة بالشخصيات والمؤامرات السياسية والمراوحات الزمنية الدائمة (وربما المفرطة)، تقريباً مثل فيلم Noir.

صحيح أنه يمكن أن يكون مسلسلاً معقداً إلى حدّ ما تصعب متابعته على جمهورٍ عالمي، أو لا يعرف كثيراً عن تاريخ الولايات المتحدة، لكن من حيث الجوهر فهو دائماً جلي في مراده. ويعود هذا، إلى حدٍّ كبير، إلى تماسك ووضوح المخرجين.

هناك أيضاً فريق عمل جيد يتقدّمه توبياس مينزيس، وهو ممثل أكثر من معروف (يظهر في Rome ،Outlander ،Game of Thrones، وهو الأمير فيليب في الموسمين الثالث والرابع من The Crown)، الذي يلعب دور المطارِد المهووس. في حين يظهر خصمه، بويل (من مسلسل Masters of the Air، المعروض أيضاً على "آبل تي في بلس" وThe Plot against America) كحالمٍ منكوب وعدو ذكي، مهما كان التحدي الجسدي الذي يواجهه. 

تنضمّ إلى الاثنين أسماء معروفة مثل ليلي تايلور (زوجة لينكولن، ماري تود)، باتون أوزفالت، لوفي سيمون، ومات والش، من بين آخرين. ربما لا يكون مسلسل Manhunt هو المسلسل الأكثر تجارية أو الأسهل منالاً ضمن مشهد العروض الأولى على منصّات البثّ، ولكنه واحد من أكثر المسلسلات جدّية وصلابة وإمتاعاً. ينجح، بفضل أسلوب النوفيلا المسلسلة، في تحقيق توازن جيد بين الآكشن والسياسة والتشويق، ولا يسعى أبداً إلى بطولة شخصياته أو تمجيدها. عملٌ لافت، وسبيل لفهم الولايات المتحدة الحالية من خلال منظور تاريخها السياسي المعقّد، إذ يعيدنا إلى لحظة مهمة في تاريخ أميركا، لحظة لا يزال بوسعنا أن نجد إشارات إليها في الوضع الحالي للبلاد.

المساهمون