مسلسل The Last Of Us... الوباء آسيوي والمنقذ أميركي

05 ابريل 2023
عالم يقصف مدنه وآخر يحاول إيجاد لقاح (HBO)
+ الخط -

كل الثقافات لديها قصة تخبر فيها أبناءها كيف بدأ العالم. وقصة أو رؤية للنهاية تتوقع فيها كيف ستكون نهاية هذا العالم. تختلف الرؤى بين ثقافة وأخرى، وتتعدد وسائط الإخبار، إلا أن أكثر تلك الوسائط انتشاراً ما يندرج تحت "صناعة الترفيه" من أفلام ومسلسلات. كان أحدثها مسلسل The Last Of Us، من إنتاج HBO. عمل مبني على لعبة فيديو، من تأليف كريغ مازن (أخرج حلقة) ونيل دروكمان (أخرج حلقة). المسلسل من بطولة بيدرو باسكال بدور جول، والطفلة بيلا رامزي بدور إيلي.
نهاية العالم التي يقترحها المسلسل تأتي عن طريق انتشار كائن طفيلي يُدعى كورديسبس، يُحوّل حامِلُه بعد خمس دقائق من التقاطه إلى شخص عنيف جداً، كل همّه أن ينقض على غيره وينقل له العدوى من خلال العضّ. تتأطر هذه النهاية بثلاثة أزمنة ومكانين. الزمان الأول عام 1968، والزمان الثاني 2003، والثالث 2023. فيما المكان الأول هو إندونيسيا والمكان الثاني هو الولايات المتحدة الأميركية.
في عام 1968، تجري مقابلة تلفزيونية بين اثنين من علماء الأوبئة والفيروسات. يقترح أحدهما أن العالَم على موعد مع تفشي فيروس لا يمكن محاربته في الأعوام القليلة المقبلة، قد يكون مصدره مدغشقر. بينما لا يوافقه العالِم الثاني على هذا المقترح، ويذهب بدوره إلى أن نهاية البشرية ستكون عبر انتشار طفيلي يسيطر على العقول ويتحكم بها إلى أن يقضي على أصحابها.
ثم في عام 2003، تظهر أول حالة إصابة بطفيلي كورديسبس في إندونيسيا، مصدرها مصنع دقيق وحبوب في شمال البلاد. تُقرِر إحدى العالمات بعد معاينة الحالة في المختبر، أن لا لقاح ولا دواء لمثل هذه الحالات، لذلك توجه حديثها إلى القائد العسكري وتخبره بنبرة لا كذب فيها: "لا بد أن تبدؤوا بقصف المدن".


في عام 2023، وفي أعقاب اجتياح الوباء العالم، حيث الطفيليات سادت وسمّمت العقول وفتكَت بالحجر والبشر، يضطلع شخص يدعى جول في مهمة قد تنقذ البشرية من دنو خرابها بالكامل. كل ما على جول فعله هو أن يتكفل بحماية ونقل طفلة اسمها إيلي (14 عاماً)، إلى أحد المختبرات لصنع لقاح من خلايا جسمها قد تنفع في التصدي للوباء. لكن هذه المهمة لن تكون سهلة، إذ سيضطر جول وإيلي إلى مواجهة المخاطر، والدفاع عن نفسيهما ضد جيوش من البشر الذين أصابهم الطفيلي.
إذن، تمثل الفترة الزمنية الممتدة من 2003 إلى 2023، فترة انهيار العالم وحلول الفوضى محل النظام، ما أدى إلى اضطراب الأنظمة والخدمات، وسيطرة قوى مختلفة على مقاليد الأمور في البلاد، التي عقدت المحاكمات الميدانية وأرست الحكم العسكري وبنت مستعمرات خاصة بها، فارضةً أنظمة جديدة أكثر صرامة ودكتاتورية من سابقاتها. أمام هذا المشهد، كان من الطبيعي أن تنتشر ثقافة الانتقام والقتل سواءً بين الأفراد أو بين الجماعات التي تكن العداء لبعضها بعضاً، فكل جماعة على اختلاف تصنيفاتها التي يقدمها المسلسل، تتواضع على أخلاق جديدة تخصّها، وتتضمن قواعد لا يجب انتهاكها من قبل أعضائها.
الصورة التي يقدمها المسلسل لموضوعة انهيار العالم، كانت أقرب إلى الفهم لو كان عنوان المسلسل The last of USA، بدلاً من Us. فأجزاء هذه الصورة بكل وضوح، أن طفيلياً مصدره إندونيسيا، انتشر منها إلى كل أنحاء العالم وفعل ما فعله، لكن هذا العالم بالنسبة للمسلسل هو فقط أميركا، يُختَصر في ولاياتها، لا نعرف ما جرى في بقية أنحاء العالم خارج الولايات المتحدة سوى أن العالم ينهار، ومعالم هذا الانهيار نراها فقط في المدن الأميركية.
نتابع في المسلسل كيف أن فرصة حماية البشرية متوقفة على مدى إكمال جول مهمته في إيصال الطفلة، وصنع اللقاح لتحلّ المشكلة. إذن، هناك عالم نشر الوباء وعالم التصدي لهذا الوباء، عالم لا نرى منه شيئاً إلا أنه يحل مشكلته بقصف مدنه، وعالَم يُنتَظر منه إنقاذ سكانه بصنع لقاح.
فنياً وبصرياً، لا يقدم العمل في غالبية حلقاته ما هو جديد على صعيد مشاهد الدمار والنهايات والقتل، ولو كان العمل يستند إلى لعبة الفيديو، وتصاميمه مستوحاة منها بشكل احترافي، إلا أنها مشاهد مكررة ومألوفة للعين المتابعة لمثل هذه الأعمال الدرامية، وللعين المتابعة لأخبار العالم الحقيقي وما يحل به من كوارث طبيعية وسياسية، من إندونيسيا إلى أميركا.
بيد أن المشهد الأخير في المسلسل، يمكن تسميته بـ"طفلة العالم"، حين تحلّ ساعة العملية الجراحية لدماغ الطفلة في المختبر من أجل سحب عينات من خلاياها، ويؤمر جول أن يرحل بعيداً حيث يقتاده عساكر إلى خارج المكان.

سينما ودراما
التحديثات الحية

هنا، يتباطأ العالم، فجأةً، مكرساً الوقت والفرصة لجول كي يقرر الالتفات وطعن العساكر بسكينٍ تركتها له إيلي كذكرى منها، فيعود أدراجه إلى غرفة العمليات بخطوات لم يوقفها من قبل انهيار العالم لتتوقف الآن، مقرراً أنه لن يسمح بقتل هذه الطفلة حتى من أجل إنقاذ البشرية كلها، وكأنه استحضر بهذا الأداء مقولة الفيلسوف كانت: "لو كانت سعادة البشرية تتوقف على قتل طفل واحد لكان ذلك فعلاً غير أخلاقي".

المساهمون