مسلسل The Deuce... أن تبيع نيويورك نفسها مقابل 40 دولاراً

15 سبتمبر 2022
العمل من بطولة ماغي غيلنهال (إتش بي أو)
+ الخط -

لن نُفاجأ حين نعرف أن مؤلّف مسلسل The Deuce، هو ديفيد سيمون (David Simon). الكاتب (والصحافي)، الذي ألّف مسلسل The Wire، "الملحمة الدرامية"، كما يراها المفكر سلافوي جيجيك. ليس السبب أن كثيرين من الذين مثّلوا في The Wire هم أنفسهم الذين نراهم في The Deuce، بل لطريقة تناول ديفيد سيمون للشارع الأميركي وقضاياه الراهنة. 
في The Wire، حفر سيمون في مدينة بالتيمور، ماضياً مع عصابات المخدرات، والظروف الاجتماعية والاقتصادية لأبناء تلك المدينة، ودور المؤسسة الأمنية والسياسية وتأثيرها في الشارع. سياسيون وشرطة فاسدون ومُرتشون، يرتهن مصير مراهق لقرار انتخابي وبراغماتي لدى الطبقات العُليا.
مقاربة شبيهة نراها في The Deuce، الذي أنتجته HBO في ثلاثة مواسم (2017 - 2019)، وأضافته OSN+ أخيراً إلى قائمة مشاهدتها، ليتسنّى للمهتمّين من الجمهور العربي أن يتابعوه. لكن، مع The Deuce، نتجوّل في شوارع مدينة نيويورك. والقضية، هذه المرة، ليست المخدّرات، وإنّما الدعارة، وصناعة الأفلام الإباحية (Pornography).
يعود بنا سيمون إلى بداية السبعينيات لمدينة نيوروك. الثورة الجنسية في أوجها. الحركة النسوية تستشيط غضباً وتنشط ضد ذكورة العالم. المثليّون يطالبون بحقوقهم. الشوارع تعجّ بالقوّادين وعاملات الجنس. والحانات والنوادي الليلية هي المكان الأمثل كي يلتقي فيه كل هؤلاء معاً.
بهذا، الشوارع مُهيأة ليغادر معظم من فيها إلى الاستوديو، خصوصاً النساء، كي يتخلّصن من عملهنّ في الشوارع، ومن القوّادين الذين يستغلّونهنّ، ويعملن في تلك الصناعة الجديدة؛ أي الأفلام الإباحية. والأخيرة كعكة كبيرة، الجميع يريد حصّته منها. القوّادون يتقاضون أجر الفتيات. المافيا الإيطالية تُنتج الأفلام وتنتظر أرباحها. حلقات الوصل بين القوادين ورجال المافيا وشركات الإنتاج، لها حصتها أيضاً. المخرجون والمخرجات ومديرو ومديرات الأعمال بطبيعة الحال... كل ينتظر حصّته. أمّا الفتيات، فعلى السرير، غالباً، ينتظرن تصوير المشهد. ولا خيار أمامهنّ سوى القبول به، مهما بلغت وحشيته.
وكما يفعل ديفيد سيمون في تلك النصوص الدرامية التي يكتبها؛ سيبني لنا علاقات القوى ويفكّكها ثانيةً. تبدأ الحكاية مع شاب يُدعى فينسينت (جيمس فرانكو). يعمل ساقياً في حانة. شقيقه/توأمه فرانكي (جيمس فرانكو أيضاً)، مدمن على المقامرة والرهانات؛ فيتورّط بدين كبير للمافيا الإيطالية. كي يجد فينسيت طريقةً لحل مشكلة أخيه، يضطر إلى التعامل مع المافيا؛ فتمنحه الأخيرة حانةً يديرها، ويسدّد للمافيا دين أخيه. 
مع الوقت، لم يقتصر الأمر على حانة، وإنما هناك ناديان ليليان، وبيت دعارة، على فينسيت أن يتولّى إدارتها جميعاً. في الأثناء، نتعرّف أيضاً إلى كاندي (ماغي غيلنهال)، التي تنتظر في الشارع الزبائن، هي وعاملات جنس أخريات. الأجرة هي أربعون دولاراً؛ ثلاثون للفتاة، وعشرة دولارات مقابل غرفة الفندق. كاندي تعمل مستقلّةً، بعكس جميع الفتيات التي لكلّ مجموعة منهنّ قوّاد يشرف عليها وينظمها، ويعطيهن فُتات المال، كما يستغلّهن جنسياً.
تسعى كاندي إلى مغادرة الشارع بعد أن اعتدى عليها أحد الزبائن بالضرب. بهذا، ليس أمامها خيار سوى الأفلام الإباحية. تبدأ بطلةً لها، ثم مخرجةً شهيرة. وبهذا، تسعى بقية الفتيات إلى التخلّص من العمل في الشارع، آملات أن تكون ظروفهنّ في الأفلام الإباحية أفضل. 


إلا أن المافيا هي جامع مشترك أساسي وحلقة وصل مهمّة بين كل هذه الأطراف؛ فهي من يسيطر على صناعة الأفلام الإباحية، وعلى بيوت الدعارة، وبعض الفنادق التي تستخدمها الفتيات. الشرطة، هنا، معظمها فاسد، ويريد حصّة من كل تلك الأرباح، وإلا سيُغلقون الحانات وبيوت الدعارة. 
لا يبدو أن أحداً سينتهي إلى مصير جيد. النجاة من نيويورك وتايم سكوير شبه مستحيلة. قلّة من الفتيات هربن، واخترن حياة جديدة. بعضهنّ يُقتل، وأخريات ينتحرنْ.

إنها نيويورك السبعينيات والثمانينيات، والإيدز بدأ يهدّد الجميع. ما من مصير أفضل من الهروب إلى فلوريدا، الولاية التي يلجأ إليها إمّا العجزة، أو أولئك التائهون إلى الأبد.

المساهمون