مسلسل "عربيزي" لا يشبه شيئاً
وصلت الكوميديا السورية إلى حالة يُرثى لها فعلاً، فكل ما نشاهده من مسلسلات كوميدية في الفترة الأخيرة يوحي بأنه لا أمل بعودة ناجحة لهذا النوع من الإنتاجات. خير دليل على ذلك هو مسلسل "عربيزي"، الذي بدأ عرضه في شهر رمضان الحالي.
يمكننا القول إن أفضل ما فيه هو اسمه الركيك، "عربيزي"، علماً أن كلمة عربيزي شائعة في اللهجة السورية، وأنها تستخدم لوصف كتابة الكلمات العربية بأحرف إنكليزية، وغالباً تم استخدامه بالعمل لكونه يدعي أنه يقدم نسخاً عربية من حكايات درامية عالمية.
مسلسل "عربيزي" لا يشبه أي شيء بقدر ما يشبه التيشرتات الرخيصة المزينة بالعلامات التجارية لماركات الأزياء العالمية التي اكتسحت الأسواق السورية في التسعينيات، عقب الانفتاح النسبي الذي عاشته البلاد بتأثير دخول الديجيتال. حينها، أنتجت المعامل السورية تيشرتات طُبعت عليها العلامات التجارية لـ"شانيل" و"ديور" و"دولتشي أند غابانا" و"غوتشي" معاً.
ربما كان يظن منتجو هذه البضائع أن اجتماع أسماء كل العلامات التجارية الكبرى بمنتج واحد سيساعد على تسويقه، لكن ذلك لم يفلح بالطبع. ومسلسل "عربيزي" أنتج بالعقلية التجارية الفاشلة ذاتها؛ إذ جمع أسماء مسلسلات وأفلام عالمية ناجحة، مثل "صراع العروش" و"العراب" و"بريكينغ باد" و"إميلي إن باريس" وغيرها، ووضعها معاً في سياق رخيص، ليلاقي المسلسل مصيره الحتمي ويفشل.
ينتمي "عربيزي" إلى سياق المتصل - المنفصل، وتحمل كل حلقة منه اسم مسلسل أو فيلم عالمي، وتنطلق الأحداث من فرضية: ماذا لو كانت هذه الحكايات عندنا؟ لكن صنّاع المسلسل لا يتعاطون مع الفرضية بجدية، فلم تُعالج الحكايات دراماتورجياً، ولم توظف ضمن بيئة المجتمع السوري.
وبدلاً من ذلك نجد أنفسنا أمام مشاهد هزلية، لا تحمل من الأفلام والمسلسلات العالمية التي تتم الإشارة إليها في بداية كل حلقة سوى أسمائها؛ فما نشاهده لا يمكن أن نصفه حتى بأنه نسخ بارودي عن المسلسلات والأفلام العالمية، لأن إنتاج نسخة بارودي عن عمل درامي يتطلب شرطاً أساسياً مفقوداً في "عربيزي"، يتمثل بفهم الحكاية الأصلية؛ وهو أمر يبدو بعيداً للغاية، فمعظم الحلقات لا تحمل فيها مشاهد "عربيزي" أي ملامح من العمل الأصلي، باستثناء أسماء الشخصيات بأحسن الأحوال.
الغريب في "عربيزي" أن صنّاعه يسخرون كل العلامات التجارية الدرامية التي يعرفونها لطرح الحكاية ذاتها؛ حكاية السوريين الذين يتصارعون على الموارد الأساسية من مازوت وبنزين... إلخ. حلقة "لا كاسا دي بابل"، على سبيل المثال، تتمحور حول سرقة خزان مازوت، وحلقة "غيم أوف ثرونز" تصوّر الصراع للحصول على جرار الغاز. ولا تتوقف المفارقات في المسلسل هنا، فبعض الحلقات لا تلتزم بالفرضية الأساسية التي تسأل كيف ستكون الحكايات الغربية لو كانت عندنا، لأنها تقدم محاكاة لمسلسلات سورية شهيرة بات اسمها علامة تجارية بدورها، مثل "باب الحارة" و"ضيعة ضايعة".
المشكلة في "عربيزي" لا تتعلق فقط بعلاقة المسلسل الركيكة مع الأعمال الأصلية التي يستخدم أسماءها وحسب، بل بكون العمل يفشل في بناء حكاية أو حتى إلقاء النكات؛ فعلى مدار الحلقات العشر التي عُرضت منه، نلاحظ أن الممثلين يحاولون بشكل يائس أن يقدموا مشاهد كوميدية تولد الإضحاك ولكنهم يفشلون، ولا تنجح أيضاً تدخلات الموسيقى والمؤثرات الصوتية الفاقعة برسم ظل ابتسامة.
يفتقد "عربيزي" لكافة المقومات التي يتطلبها أي عمل كوميدي ناجح، ويفاقم من أزمة العمل طاقم الممثلين المشارك فيه، فالاسم الأبرز بينهم هو معن عبد الحق، الذي أثبت على مدار 24 سنة قضاها على شاشة التلفزيون محدودية إمكانياته، وأن آراءه السياسية المتطرفة المستفزة هي الشيء الوحيد الذي جعل اسمه يتصدر عناوين الصفحات الفنية، أما الأدوار التي جسدها، فانتست جميعها ولم يعلق في الذاكرة منها شيء.