مسلسل "طيف إسطنبول"... جميعنا مرضى نفسيون

30 نوفمبر 2020
اعتُبر "طيف إسطنبول" خروجاً عما اعتاده جمهور المسلسلات التركية (تويتر)
+ الخط -

عرضت شبكة "نتفليكس" أخيراً، المسلسل التركي" طيف إسطنبول" المكون من 8 حلقات، وأثار كثيراً من الجدل حوله، إذ عُد خارجاً عما اعتاد عليه جمهور المسلسلات التركية.

يتناول المسلسل سيطرة المعتقدات الدينية على عقول البسطاء، ويصور مجتمعين متناقضين، ويظهر وجهاً مختلفاً لمدينة إسطنبول بعيداً عن الأماكن السياحية كمضيق البوسفور، وأماكن الترفيه التي اعتاد المشاهد عليها.

يتنقل المسلسل بين إسطنبول الحديثة، وضواحيها الفقيرة، وينقل الجانب الآخر البائس من هذه المدينة الساحرة، ويقارن بطريقة غير مباشرة بين المجتمعين الريفي المتدين، والعلماني المدني، عبر شخصيات نسائية مختلفة الثقافات والتعليم والبيئة.

ورغم المسافة الشاسعة بين كل شخصية من شخصيات المسلسل، وتفاوت المستوى العلمي والمادي والفكري، لكن المسلسل يظهر أن الجميع مرضى نفسيون بطريقة أو بأخرى.

وفي جملة وردت في بداية المسلسل تفيد بأننا جميعاً لدينا مشاعر نكبتها، ولا نستطيع مشاركتها مع من نحبهم، مشاعر لا نستطيع أن نعيشها أو نصرح بها حتى لأنفسنا هذا هو حالنا كلنا كبشر".

فبطلات العمل يعشن هذه الحالة، وأولاهن الطبيبة النفسية بيري، التي أدت دورها الممثلة دفني كايالار، وهي تعالج المرضى، وتستمع لهم، ولكنها نفسها تذهب إلى معالجة نفسية، وتعاني الوحدة والاكتئاب، رغم أنها ثرية وناجحة في عملها ومتحررة، ولكن دائماً علاقاتها العاطفية تفشل.

أما البطلة الرئيسية مريم، وهي فتاة ريفية محجبة، فتعيش في ضواحي إسطنبول وتعمل في الخدمة المنزلية بدوام جزئي، وأدت دورها ببراعة أويكو كارايل، وحصلت على إشادات كثيرة لأدائها الدور الذي يعتمد على السرد في أغلبه.

تصاب مريم بحالات من الإغماء وتحوّل إلى الطبيبة النفسية " بيري" ولكن بيري لديها موقف عدائي من الحجاب ومن المحجبات والمتدينين، وتقرر أن تحول مريم إلى طبيب آخر، لأنها لا تحب التعاطي مع المحجبات، لكن بساطة كلام مريم، والذي يحمل في الوقت ذاته عمقاً نفسياً، تشدها للاستمرار في الاستماع إليها.

تشعر مريم براحة عندما تعبّر دون قيود عن دواخلها أمام المعالجة النفسية، وترغب بأن تعود لزيارتها مجدداً، لكن ذلك مرهون بموافقة شيخ القرية الذي يعتبر مرجعاً لدى شقيق لها متدين، والشيخ يستشار في كل الأمور، ويتوقف الذهاب إلى الطبيب على فتوى منه.

تتهرب مريم من سؤال الشيخ عما إذا كان بإمكانها الذهاب إلى المعالجة النفسية، لأنها ترغب بذلك وتستمر بالذهاب إليها دون علم شقيقها ودون أن تستأذن الشيخ.

تذهب إلى الطبيبة للثرثرة أو لتطرح اعترافاتها البسيطة التي تجعلها تبدأ بالتمرد على سيطرة شقيقها.

تستمع بيري لاعترافات مريم الساذجة، والتي رغم الوضع التي تعيشه مع شقيقها المتسلط، وزوجته "روحية" التي تعاني من الاكتئاب، إلا أنها تبدو أكثر تصالحاً مع نفسها من الطبيبة التي تخفي قلقها وتوترها النفسي، وتخاف من الشيخوخة، فتذهب إلى النادي الرياضي وتمارس اليوغا وتتبع نظاماً غذائياً نباتياً.

بساطة مريم وصدقها جعلا الطبيبة تنهار أمامها بالبكاء، دون أن تقول أي كلمة.

أما شيخ القرية والذي لا يعتبر فقط مرجعاً دينياً، بل إن حياة سكان القرية تسير وفق ما يحلله لهم ويحرّمه.

ابنته "خير النساء" التي تدرس في قونية وهي مثلية الجنس، وتقرر في آخر المسلسل أن تواجه والدها بأنها لا تريد ارتداء الحجاب، لأنها غير مقتنعة به وأنها أجبرت عليه لأنها ابنة إمام المسجد.

المسلسل قدم نماذج لنساء متفوقات في الظاهر، لكنهن يعانين التخبط والفراغ العاطفي، والصدمات العائلية، نتيجة عدم البوح كما يحصل مع المعالجة النفسية غولبين وشقيقتها المحجبة التي تعتبرها فاسقة ومتحررة.

كما قدم المسلسل شخصية ميليسا التي أدت بدورها نسرين جواد زادة، وهي ممثلة موهوبة لكنها تمثل في مسلسل سيئ، ولكنه يحقق نسبة مشاهدة عالية لدى عامة الناس، وتستمر في العمل فيه، لأنها تريد جني المال، رغم عدم اقتناعها بالمسلسل.

ويلمّح دور ميليسا إلى تدني ذوق المشاهد بإقباله على تلك الأعمال، وكأنها تشير إلى أن حتى النجوم مجبَرون على تقديم أعمال لا تروق لهم، لكنهم خاضعون لسطوة نسبة المشاهدة والذوق العام حتى لو كان رديئاً.

وقدم المسلسل شخصية "روحية" التي تعاني من اكتئاب بسبب تعرضها في صغرها للاغتصاب، وبعد زواجها من ياسين ومعرفتها بأن مغتصبها توفي، تحلم بالذهاب إلى قريتها لتبصق على قبره.

وعندما تذهب إلى هناك، تكتشف أنه لم يمت وأنه تزوج من صديقتها. تحصل بينهما مواجهة يعبّر فيها عن ندمه، وأنه عندما أقدم على ذلك كان صغيراً، وأن زوجها ياسين عندما جاء إلى القرية ضربه، وشوه وجهه وسمعته، وأن ابنته تخجل من مواجهة الناس. المواجهة بين روحية ومغتصبها غيّرت من وضعها النفسي.

المسلسل مبني على حوارات سلسة وعميقة، وقدم أبطال العمل أدوارهم بكل  إتقان، خصوصاً اويكو كارايل، ودفنى كايالار.

المساهمون