مسلسل "من... إلى" وتحوّلات قسرية

03 سبتمبر 2022
المسلسل من بطولة قصي خولي (فيسبوك)
+ الخط -

أفضل إنجاز حققته المنصات الرقمية أنها لم تلتزم عُرف الثلاثين حلقة السائد في الدراما العربية، وقلّصت عدد حلقات المسلسل إلى 10 أو 15 حلقة. قد نؤمن بهذه المقولة، غالباً، في أثناء متابعة مسلسل "من... إلى"، الذي بثته منصة شاهد. عمل للكاتب بلال شحادات والمخرج مجدي سميري، ويمتد على ثلاثين حلقة.

يوحي العنوان، "من... إلى"، أن الأمر الذي يميز المسلسل هو التحول الكبير الذي يطرأ على شخصية البطل؛ إذ يتحول خلال المسلسل من مدرس رياضيات إلى زعيم عصابة. وهنا، نشير إلى أن النموذج الكلاسيكي للحبكة الدرامية، يفترض أساساً أن شخصية البطل الدرامي يجب أن تعيش رحلة، تنتقل فيها من حال إلى حال آخر، بعد أن تمر بأطوار التحوّل والتعرّف. على سبيل المثال، هكذا يتحول لير من ملك ذي جاه وسلطة، إلى متشرد. بالتالي، إن التعامل مع وجود تحول درامي في المسلسل كميزة، يبدو أمراً مثيراً للسخرية، ويدفعنا إلى التساؤل عن كل المسلسلات التي كتبها بلال شحادات قبل "من... إلى": ألم يكن أبطالها شخصيات درامية تمر بتحولات؟ أم أن أبطالها كانوا شخصيات نمطية أحادية الجانب؟ من دون العودة إلى مسلسلات شحادات السابقة يمكن مناقشة المسألة، من خلال شخصية وليد حمدان بالتحديد، بطل مسلسله الجديد.

أدى الشخصية قصي خولي. وخلال أيام العرض الأولى، قرأنا الكثير من التعليقات التي تشيد بأدائه، لكن هذه التعليقات بدأت تهبط وتيرتها مع الوصول إلى الحلقة العاشرة، ولم يبقَ منها شيء بعد انتهاء الحلقات الثلاثين. الأمر لا يتعلق بالطريقة التي أدى بها خولي الشخصية بعد التحول، بل يتعلق بالنص، الذي فبرك الظروف لتهيئة التحول الدرامي من دون إقناع. فمنذ البداية، تجد العديد من الأطراف التي تسعى لإجراء عملية ولادة قيصرية للتحول الدرامي لشخصية البطل. الأخير، يجد نفسه فجأة بين عصابتين متناحرتين، كلتاهما تحاول تجنيده من دون مبرر: ما الذي سيقدمه أستاذ الرياضيات لهذه العصابات الخطيرة التي سنجدها في وقت لاحق تمتلك القوة والقدرة على غزو معقل غريمتها؟ وإذا كانت هناك بذور جيدة في خلق الشخصية قبل إجراء عملية التحول الدرامي القسري، فإننا نجدها تختفي تماماً بعد أن يتم التحول، فتصبح الشخصية نمطية أحادية الجانب، ولها متلازمة تسيطر على لغتها ومنطقها، ففي كل حلقة سيذكرنا "وليد" بأنه أستاذ رياضيات، بمناسبة أو من دون مناسبة. هكذا تتخلى الشخصية بشكل مفاجئ عن معظم ملامحها وتتحول إلى نمط، وهذه الحالة النمطية تجعل المسلسل يزداد رداءةً، لتزيد إيقاعه البطيء ثقلاً.

ما يحدث في مسلسل "من... إلى" لا يختلف كثيراً عن باقي مسلسلات بلال شحادات، فهي غالباً ما تعتمد بالحلقات الأولى على ظروف درامية مقتبسة من أفلام أو مسلسلات عالمية، وبعدها تسوء تدريجياً، لتنتهي من دون أن تترك أي أثر. والحقيقة أن "من... إلى" يبدأ بشكل جيد جداً، إذا ما قارناه بباقي المسلسلات اللبنانية السورية المشتركة، التي أنتجت خلال العامين الأخيرين. لكن كل شيء فيه ينهار سريعاً، ويعود لينصهر بذات البوتقة التي تدبغ هذا النوع من المسلسلات بلون واحد.

ففي البداية، تظن أن المسلسل يسير بشكل مختلف، عندما يبدأ وليد حمدان بالتحري منفرداً بقضيته بعد أن يفقد ثقته بأجهزة الشرطة، لكن سرعان ما تبدأ خطوط علاقة حب خجولة ترتسم بين وليد وامرأة برتبة نقيب في الشرطة، ليعيد المسلسل استهلاك الخط الدرامي الدارج الذي يلعب على الموازنة بين الأكشن والرومانسية من خلال علاقات الحب بين الخارجين عن القانون وأفراد الشرطة.

وعندما نبدأ بتلمس إشارات تخبرنا أن الجرائم الكبرى والفساد من تركيبة الدولة، تبدأ لعبة المسؤول الفاسد والمسؤول الجيد، الدارجة في الدراما السورية والدراما المشتركة، تظهر من جديد. هكذا تصل الأمور كلها في النهاية إلى المساحة الآمنة والدراما المتوقعة والمكررة في هذا النوع من الدراما، ليكون التحول الوحيد المفاجئ هنا، الذي يستحق أن يكون عنواناً للمسلسل والحقبة الدرامية ككل، هو كيف يمكن تحويل أي حكاية درامية نستوردها من أي ثقافة إلى هذا الشكل الدرامي الهجين فاقد الهوية؟

المساهمون