مسلسل "رئيسة القسم": ما تريد أن تقوله أستاذة الأدب

06 أكتوبر 2021
يضع الصراع بطلة المسلسل في مواجهة المؤسسة التعليمية (نتفليكس)
+ الخط -

لم تكن "نتفليكس" لتختار وقتاً ملائماً لعرض مسلسلها الجديد The Chair (بالعربية تطلق عليه "نتفليكس" اسم "رئيسة القسم") أكثر من اليوم. فمع تشكيل المؤسسات الأكاديمية جبهةً كبرى في حروب الثقافة، كما تبدّى أخيراً مع الجدل حول تعليم "النظرية العرقية النقدية" في الولايات المتحدة الأميركية، والجدل في فرنسا حول المؤسسات التعليمية أخيراً، اكتسب المسلسل دفعةً من جهة علاقته بالسياق العام والواقع، إضافةً إلى عوامل أخرى، أقل آنية، كحال بعض التخصصات الأكاديمية، وتراجع جاذبيتها والإقبال عليها. وأمام تحدٍّ كهذا، تصبح المهمة أمام The Chair أكثر تعقيداً حيال ما يريد قوله وكيف سيقوله، لأن الراهنية هذه، لا تُكتسَب بالمجان بعد كل شيء، بل عبر المرور بجمهورٍ واسع الطيف، لديه آراؤه وانطباعاته عن قضيةٍ تثير الاستقطاب كهذه، ومناخٍ عام سريع التأثر والحكم أحياناً.

عمَّ يتحدث المسلسل؟

نتتبع مع بداية السلسلة القصيرة تعيين جي-يون كيم (التي تؤدي دورها ساندرا أوه) رئيسةً لقسم اللغة الإنكليزية في جامعة "بيمبروك"، لتصبح بذلك أول امرأة ملونة تشغل هذا المنصب. إلا أن الاحتفال بلحاق الجامعة بركب التعددية والانفتاح، لا يلبث أن ينقطع في بدايته، إذ تكتشف جي-يون تباعاً أنها ورثت مع رئاسة القسم، سيلاً من المتاعب المتراكمة، ابتداءً بالاهتمام المتدني بدراسة الأدب، وتهديد التكنولوجيا لهذا القطاع، وانتهاءً بالميزانيات المتعثرة والشق الإداري المضطرب لهذه العملية، ما يجعلها تعتقد أن تعيينها يبدو أقرب إلى كبش فداء، من كونه احتفاءً بالتعددية داخل الأكاديمية.
تتعامل السلسلة، إذاً، مع شقين: أولهما يتعلّق بما يجري في الحرم الجامعي، بالمدرسين على اختلاف طبائعهم وعلاقاتهم وتحيزاتهم، وبالعميد الذي يدير المؤسسة كمركزٍ تجاري، وثانيهما يتفحص حياة جي-يون الشخصية، التي تحوي والدها الكوري وابنتها المتبناة من أصول لاتينية، وبالطبع يتداخل الخطان عبر علاقة جي-يون ببيل، رئيس القسم السابق الذي يعيش في حالة من الفوضى بعد وفاة زوجته، وتتطوّر علاقته بـ جي-يون خلال المسلسل.
يشرح لنا العمل، منذ البداية، طبيعة الظرف الذي تجد جي-يون نفسها فيه. فمنذ أولى لقاءاتها مع باقي المدرسين، نكتشف أن القسم لا يبلي بلاءً حسناً، مثله مثل كل أقسام الآداب في العالم، وبات خياراً أقل من جذاب، عندما يقارن بالتخصصات الأكثر شيوعاً، وأضحى مهدداً بالوسائط الجديدة.


إضافة إلى ذلك، تزيد الميزانية المتآكلة من تعقيد مهمة رئيسة القسم الجديدة، التي تجد نفسها محاصرةً بين فضّ نزاعات المدرسين الداخلية وحمايتهم من الفصل بغاية توفير النفقات. وأمام عالمٍ معقد كهذا، يفترض الجميع أن المفاتيح جميعها بحوزة هذه الشخصية الرئيسية، التي يُنتظَر منها إيجاد الحلول، والمقارعة أحياناً واللجوء إلى الحيلة أحياناً أخرى.
درامياً، يمكن أن يبدو هذا المحيط، وقد صار يلعب دوراً رئيسياً في الصراع مع الشخصية الرئيسية، مشوهاً أو منقوص المعالم، إلا أن العمل يسعى إلى إضافة ملامح شخصية مميزة لشخصياته، عبر خلق صراعاتٍ صغيرة مختلفة لكل خط شخصية، وكيف تتلاقى مع تلك الرئيسية، وإن نجح بالقيام بذلك بدرجات متفاوتة.

خريطة الصراع المعقدة

تمرّر بنية القصة التي تجعل من كيم البطلة الرئيسية، مختلف الحبكات الفرعية عبرها، وكأن الصراع، بخطه العام، يضعها ضد العالم. فمن جهة، يحاول العمل رصد السياسات التي تحكم عمل المؤسسات الأكاديمية وتغيرها، كما نرى في الصراع الداخلي بين إيليوت، البروفيسور الأكبر سناً، وياز، الأميركية من أصول أفريقية، التي تنتمي إلى جيلٍ أصغر سناً، وتنتظر ترقيتها، ومحاولات كيم لإيجاد توافقٍ بين الاثنين. الأمر ذاته بالنسبة إلى جوان، المدرّسة في القسم ذاته، التي تنتمي إلى الجيل الأسبق، وتعترض على مكانها ضمن الهرمية. أضف إلى ذلك محاولات زيادة إيرادات الجامعة عبر فتح الباب أمام نجوم الثقافة الشعبية للتدريس، وتأثير ذلك في المدرسين الثابتين، أو أولئك مثل ياز، الذين ينتظرون تثبيتهم، وقد يحصل المشاهد على فكرة عن الفوضى التي يحاول العمل تصويرها، ولا تشكل إلا جزءاً مما تمرّ به المؤسسات التعليمية اليوم.
على الجهة الأخرى، يجد بيل نفسه موضوع مشكلةٍ خارجية، حين تظهر تحية نازية ساخرة يقوم بها خلال محاضرة عن العبثية ومواجهتها للفاشية، وتُقتطَع خارج سياقها، وتنتشر على الإنترنت، ما يضعه ومعه الجامعة في حال صدامٍ مع طلاب الجامعة والعالم الخارجي، ويدفع جي-يون بالضرورة إلى الدخول بمواجهة أخرى مع رئاسة الجامعة، التي تنظر إلى المسألة كأزمة علاقات عامة.
ومن دون إفساد لهذه الصراعات، أو كشف كيف ستنتهي، يمكننا الحديث عن الطريقة التي تجري خلالها ومسارها. فبعد كل شيء، تمتد السلسلة على مدى ست حلقاتٍ فقط، وقد تكون هذه نقطة ضعف العمل، وهي للمفارقة الساخرة تؤكد واحدة من المقولات التي يحاول العمل اقتراحها في بدايته؛ فيصبح بذلك ضحية ما يحاول عرضه.
منذ البداية، نرى جي-يون مقتنعةً بأن "شعبنة" الجامعة خطوة لن تكون في مصلحة التعليم، مثلها مثل الاستسلام التام للتكنولوجيا الجديدة والترفيه. وبالمثل، فإن هذه العوامل لن تضرّ بالعملية التعليمية، كما تقول جي-يون، وحسب، بل بمحاولة التطرق إلى هذه المسألة أو تصويرها.

يفوّت The Chair، بمحاولته أن يكون ضيفاً خفيفاً على الشاشة، فرصاً للخوض بالمسائل التي يطرحها، والتي قد تنأى أعمال أخرى عن التطرق إليها، لما تثيره من استقطاب، ولمّا كان غنى الصراعات والخطوط الفرعية فيه شيئاً جذاباً، فإن بعضها يُترَك عند نقطة يشعر المشاهد بأنه بحاجة خواتيم لها.

يفوّت The Chair فرصاً للخوض بالمسائل التي يطرحها

يمكن تبرير ذلك بكون المسلسل عملاً كوميدياً، يعجز بسبب نوعه عن تقديم مقولةٍ مقنعة ونهائية تجاه المواضيع التي يحاول الإحاطة بها، لكن هذا ليس ما سيطلبه المشاهد بأي حال (ما دام على الأقل مقتنعاً بأن تداول السياسة لن يحدث على "نتفليكس")، بل بعض الإضافات التي يستطيع العمل تحملها حقيقةً، وإضافات تكمل خطوط الشخصيات الرئيسية أو الأحداث، حيث لا يكون الطلبة، على سبيل المثال، كتلة واحدة متجانسة ومتألفة من ممثلين شديدي الثانوية.
عدا عن ذلك، يُذكَر للعمل محاولته التطرّق إلى هذا المجال من دون افتراضات مسبقة، أو تحيّز معين، والإشارة إلى المشكلة الأكبر المتعلقة بالدور الذي نتوقع من الجامعة كمؤسسة أكاديمية أن تلعبه ضمن شروط اليوم الاقتصادية والاجتماعية، وتجريبه المواءمة بين هذه القصص اليوم، وبعض العناصر من الأدب الكلاسيكي (التي قد يكون ذكرها ضمن مسلسلٍ ما إنجازاً في المستقبل).

وبشكلٍ عام، فإن طريقة النظر إلى عملٍ مثل The Chair، ستكون لا شك مرتبطةً بما يتوقعه المشاهدون منه. من يتوقع تعليقاً أصيلاً أو محاججةً تتعلق بحروب الكامبوس، والسياسات الأكاديمية، فإن هذا العمل - وربما غيره - لن يكون مقصده بشكلٍ طبيعي، لكن الباحث عن عملٍ جديد متقن ولا يسبب تورطاً طويل الأمد بأحداثه، مع بعض المواضيع الجديدة أو الراهنة؛ فإن The Chair قد يكون عملاً مناسباً له، ما دام مستعداً لغضّ النظر عن بعض الأشياء هنا وهناك.

المساهمون