مسلسل "المنصة 3"... تحوّلات لا يقبلها المنطق

21 يونيو 2021
يعرض مسلسل "المنصة" على "نتفليكس" (فيسبوك)
+ الخط -

وصلنا في العالم العربي إلى مرحلة جديدة في القمع ومصادرة الرأي الآخر، فلم يعد ينحصر القمع في المستوى السياسي فقط، بل اتسعت رقعته لتشمل مصادرة الآراء المتعلقة بالإنتاجات الفنية من أعمال درامية وغيرها؛ فاليوم بات من الممكن أن نرى منتجاً فنياً يهدد الممثلين المشاركين معه و"يشبح" عليهم إذا أدلوا بتصريحات تنتقد العمل الذي أنتجه، وما حدث في مسلسل "المنصة" يعتبر مثالاً واضحاً على ذلك.

بدأت القصة عندما ظهر الفنان سلوم حداد في برنامج "من العايدين" على قناة "أبوظبي" بالتزامن مع طرح الجزء الثالث من المسلسل، ليصرّح حينها أن الأجزاء الجديدة من مسلسل "المنصة"، الذي شارك في بطولته، سيئة وضعيفة مقارنةً بالجزء الأول. بسبب هذا التصريح تعرض حداد للتهديد والشتائم من قبل منتج العمل منصور الظاهري، الذي وصفه في تغريداته على تويتر بأنه "عجوز وخرفان والسيئ هو التعاون معه"، وهدد الظاهري بسحب إقامة سلوم حداد في دولة الإمارات إن لم يعتذر.

فعلياً، لا يمكن تقبّل تصريحات الظاهري، فكيف لمنتج أن يصف ممثلاً يعمل معه وقامة فنية كسلوم حداد بأنه "خرفان"، والأسوأ هو النفس العنصري في هذه التعليقات، والتي تبدو شبيهة بالتعليقات التي تستضعف اللاجئين السوريين في دول الجوار، والتي تهددهم على الدوام بسحب الإقامات أو الترحيل. هذه التعليقات تداولها عدد كبير من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي لينتقدوها، لكنها لم تترك أي أثر سلبي على الظاهري، بل إنها على العكس من ذلك، حققت هدفها المرجو؛ إذ عاد حداد ليظهر مرة أخرى بتصريحات مغايرة، وليبرر سوء الفهم ويشرح أن ظروف التصوير خلال أزمة كورونا كانت سيئة، وأنه لم يقصد أن العمل كان سيئاً، ليعتذر من زملائه في العمل ومن المنتج! 

بات من الممكن أن نرى منتجاً فنياً يهدد الممثلين المشاركين معه و"يشبح" عليهم إذا أدلوا بتصريحات تنتقد العمل الذي أنتجه

مشهد اعتذار حداد يعبّر عن انكسار وخضوع، من المؤسف أن نراه في الوسط الفني، ومن المؤسف أيضاً أن جميع أفراد طاقم عمل "المنصة" التزموا الصمت، ولم تعنهم الإهانة التي تعرّض لها سلوم حداد أبداً، ففي الغالب هم يفضلون الحفاظ على مصالحهم المهنية فقط، وسيميلون جميعاً إلى كفة الأقوى.

وبالنسبة لصفحات المسلسل على السوشال ميديا فتجاهلت الحادثة، وبدلاً من ذلك راحت تروّج لإشاعات ليس لها أساس من الصحة بأن العمل تصدّر قائمة مشاهدات "نتفليكس" وأنه الأكثر متابعة على المنصة العالمية! لكن بعد متابعة حلقات الجزء الثالث من المسلسل الذي عُرض قبل أيام، سندرك أن انتقادات سلوم حداد كانت بمحلها؛ فالعمل بعد الجزء الأول منه انخفصت سويته الفنية، ليصل إلى جزئه الثالث بحبكات ساذجة ومفبركة بشكل لا يتوافق مع القصة الرئيسية المطروحة سابقاُ، وليخلو الجزء الأخير من أي إثارة، وكأن المخرج والكاتب قد نسيا ما حدث في الأجزاء الماضية، فهنالك تحولات غير منطقية تطرأ على الشخصية الرئيسة في العمل "كرم"، فهو لم يعد ذات الشخص سريع البديهة ودائم الشك، كما أن حكاية مقتل أمه التي كانت تحركه منذ البداية أغفلت تماماً، بذات الطريقة التي أغفل فيها وجود حبيبته "سارة" التي قتلت في الجزء الثاني دون علمه؛ فهو لم يعد سوى شخصية ساذجة لا يستطيع حماية نفسه أو "المنصة". وعلى الرغم من أنه يتحكم بكل شيء في المنصة، ويقع بكل بساطة في فخ البطل المضاد، أخيه "آدم" ليسلمه مفاتيح المنصة، التي لم ولن نعرف ما تحتويه. 

سينما ودراما
التحديثات الحية

فعلياً لا يمكن النظر للجزء الثالث، الذي تجري معظم أحداثه في الإمارات (على عكس الأجزاء السابقة) سوى كدعاية "لدولة عظيمة، تدافع عن الحريات الفردية والفكرية"، وذلك من خلال الدعوة القضائية المبهمة التي يبدأ بها المسلسل، ومن خلال المسار الخالي من الإثارة، والذي ينتهي بسيطرة الدولة على كل شيء، وسجن كل الأشرار، الذين تم الكشف عنهم بقدرات خارقة. وصورة الدولة هذه لا تتوافق أبداً مع الصورة التي تكشفها كواليس المسلسل والتصريحات المحيطة به.


 

المساهمون