مسلسل "الزيارة": هل نشتري الخرافة؟

19 يناير 2022
تدور أحداث العمل في ثمانينيات بيروت (شاهد)
+ الخط -

نهاية العام الماضي، بثت منصة "شاهد"، التابعة لمجموعة MBC، المسلسل اللبناني – المصري المشترك "الزيارة"، الذي يعتبر أول مسلسل رعب تنتجه منصة "شاهد". وفي الحملة الترويجية للمسلسل، تم توصيفه بأنه أضخم الأعمال الدرامية العربية التي أنتجت من هذا النوع، وبأنه مقتبس عن قصة حقيقة حدثت في بيروت عام 1981، علماً أن الحكاية تستند إلى أحداث خارقة للطبيعة، لا يمكن، بأي ظرف، أن نُضفي عليها سمة الواقعية.
نظرياً، بدت منصة "شاهد" وكأنها تسير على الطريق الصحيح لصناعة مسلسل رعب على الطراز العالمي، حين استعانت بالمخرج الإسباني أدولفو مارتينيز وبشركة La Palma، لإعداد المؤثرات الصوتية، وشركة Free Your Mind للمؤثرات البصرية، لتستفيد من خبراتهم في هذا النوع من الأعمال الفنية؛ إذ إن صناعة دراما الرعب في العالم العربي لا تزال بدائية، وفي الغالب لا تصل إلى الغاية المرجوة منها، وتولد الضحك بدلاً من الرعب أو الخوف.
ولعلّ هذا ما حصل مع الفيلم المصري "خط دم"، الذي أُنتج عام 2020، بوصفه فيلم رعب وإثارة، إلا أن موضوعه ومشاهده لم يثيرا سوى سخرية الجمهور.


لذلك، فإن الاعتماد على خبرات أجنبية مختصة بهذه النوعية من الأعمال الفنية، قد يكون السبيل الأفضل لتطوير هذه الصناعة في المرحلة الحالية، مع الاعتماد على حكاية درامية محلية شديدة الخصوصية، قادرة على تطويع نفسها في خدمة دراما الرعب التي لا تزال مرتبطة لدى الجمهور العربي بالصناعة الغربية. ومن خلال هذا التعاون، قد تخرج دراما الرعب من دائرة الأعمال الغريبة، وتقترب خطوة أكثر إلى الجمهور العربي.
إلا أن الحكاية التي يقدمها المسلسل، لا ترتقي حقيقةً إلى مستوى الحرفية التقنية التي نعيشها فيه، وتزيد من إحساسنا برداءتها الإشارة التي تظهر على الشاشة مع بداية كل حلقة، ليذكرنا بأن المسلسل يستند إلى قصة واقعية..

وكل ما تم ذكره من تصريحات حول كيفية بناء الحكاية، التي تمت صياغتها من خلال ورشة كتابة أشرفت عليها مريم نعوم، بالاستناد إلى مقابلات مع شخصيات حقيقية، روت تفاصيل الحادثة الغريبة، بحسب التصريحات! هذه الخلفية، تجعلنا كمشاهدين ننتظر في كل لحظة أن تتم مَنْطقَة العمل وتصويبه نحو مسار أكثر واقعية، لكن الأمور تزداد غرابة، وما من منطقية مع تقادم الحلقات، كلما اقتربنا من معرفة ماهية الجني "داسم"، الذي يصنع الحدث، وكلما اقتربنا من عوالم شخصيتي الخادمة المصرية "إنصاف" (دينا الشربيني) والمطران الأعمى (عبدو شاهين)، تصبح الأحداث فاقعة وهزلية أكثر. فعلى سبيل المثال: كيف يمكن أن نسلم بواقعية مشاهد التواطؤ بين "داسم" والمطران الأعمى، الذي يستعيد بصره مقابل ذلك، قبل أن يصحو ضميره ويفقأ عينيه ليتابع مهمته ويفك اللعنة؟
وبعد كل هذه الترهات التي تُعرض على الشاشة، يخصص صناع المسلسل الحلقة الثامنة والأخيرة من العمل للحديث عن الحكاية الأصلية، ويستضيف شهوداً ليؤكدوا صدقية الواقعة، ويظهر أبطال المسلسل ليتحدثوا عن إيمانهم بالحكاية والذعر الذي سببته لهم! ليبدو هذا الإصرار على ربط الحكاية بالواقع هو إحدى الآليات التي يلجأ إليها المسلسل لبث الرعب في قلوب المشاهدين. لكن ذلك يؤدي إلى انطباع معاكس، فالإصرار لا يثبت واقعية الحكاية، وإنما يثبت فقط بأن صناع العمل لا يحترمون عقول المشاهدين.

المساهمون