يقف الرجلان على المسرح، ويقرآن الصحيفة. لا يهمهما من هذه الصحيفة إلا الصفحة السابعة، فهي صفحة الوفيات. تهمهما هذه الصفحة لأنها ترشدهما إلى أماكن تقبل التعازي حيث الطعام والقهوة المجانيين، أو ربما تهمهما لسبب آخر؟
يقف الرجلان على مسرح دوار الشمس، في بيروت، عام 2007، لتأدية مسرحية "صفحة سبعة"، بعد سنتين من افتتاح هذا الفضاء وانتقال جمعية شمس (شباب مسرح سينما) من مسرح بيروت في عين المريسة إلى دوار الطيونة الذي منه استوحى القيمون اسم "دوار الشمس".
جمعية شمس أسسها المخرج المسرحي الكبير روجيه عساف (1941)، إلى جانب كوكبة من المسرحيين والفاعلين في المشهد الثقافي، أرادوا بانتقالها أن يتحول المسرح إلى مركز ثقافي يضم جمعيات أخرى، وقاعات للتدريب، ومكتبة للأعمال المسرحية.
ووفقاً لمدير المسرح عبده نوار، فقد كانت منطقة الطيونة موقعاً مثالياً، فهذا المكان الذي كان سابقاً خطاً "للتماس"، يفصل بين مقاتلي الشياح وعين الرمانة، خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، بإمكانه اليوم أن يصبح نقطة التقاء لجميع الأطراف. وهكذا كان فعلاً. فحين شرع المسرح في العمل، قامت جمعية شمس وجمعية مسار بالتواصل مع الشباب والجمعيات الأهلية في المناطق المحيطة، كأطراف طريق الجديدة ومداخل الضاحية الجنوبية لبيروت وعين الرمانة وفرن الشباك، ودُعي الشباب للقدوم إلى المسرح، كمشاهدين أو مشاركين في مهرجان شمس للشباب الذي رافق الجمعية منذ نشأتها في أواخر التسعينيات، والذي يقدم مساحة لهم للتعبير عن أنفسهم وأفكارهم الجديدة، ويخلق مساحة للقاء وللنقاش.
ولكن للأسف، فما إن بدا أن هذا الحلم سيتحقق حتى أطلق عليه "حزب الله" النار في شوارع بيروت، في ما عرف بـ"أحداث 7 أيار" عام 2008، ليعود جو الانقسام ويعزز الفرقة بين اللبنانيين.
على الرغم من ذلك، فإن مسرح دوار الشمس بقي يقدم فسحة أمل للشباب القادمين من كلية الفنون حيث يقوم باحتضانهم لتقديم مشاريع تخرجهم، في وقت تعيش فيه المسارح في لبنان أوضاعاً شديدة الصعوبة، إذ تقلص عددها خلال السنوات الماضية، وما تبقى منها، وبينها "دوار الشمس"، يعمل في ظروف خانقة وسط الأزمة المالية الصعبة التي تعيشها البلاد.
يقف الرجلان، وهما الممثلان عصام بو خالد وفادي أبي سمرا، على مدخل المسرح، في السادس من يوليو/ تموز الماضي، إلى جانب عبده نوار، والممثلة برناديت حديب (رئيسة جمعية شمس)، وأنا صديق الجمعية قبل أن أصبح عضواً فيها، وآخرون يهرعون للمساعدة أو للاطمئنان. ننظر كيف يحترق المدخل إلى الحلم. نقف هناك، ولا شيء بيننا وبين المسرح سوى النار والعجز.
وقفنا حينها ننتظر انطفاء الدخان الأبيض ليعلن إنقاذنا، وفي رؤوسنا سؤال واحد: هل الحريق مفتعل؟ فلقد تعرض المسرح للعديد من الحوادث التي تشي برغبة أحدهم بإغلاقه والقضاء على فسحة اللقاء هذه.
صيف السنة الماضية، حجزت بلدية العاصمة اللبنانية على المولد الكهربائي الذي يضيء المسرح، بحجة عدم ملاءمته للمواصفات البيئية، وذلك بعد ادعاء من مجهول. وقبلها أطلق مسلحون النار على مدخله الزجاجي وهم يتقاتلون مع أشباح تسكن مباني الطيونة المهجورة.
سؤالنا عن سبب الحريق ومن افتعله، إن كان مفتعلاً، كان عليه أن ينسحب بسرعة من عقولنا، ليحل مكانه سؤال أهم: ماذا الآن؟ ماذا علينا أن نفعل لنعيد بناء المدخل إلى الحلم؟
سيقف الرجلان، عصام بو خالد وفادي أبي سمرا، على مسرح "دوار الشمس، اليوم وغداً، ليقدما مسرحية "صفحة سبعة" مرة أخرى، بعد نجاحها قبل أعوام. لكنهما هذه المرة سيقفان إلى جانب المسرح لدعمه، سيعود ريع البطاقات بالكامل لإعادة بناء ما تدمر، بالإضافة إلى الحملة الإلكترونية التي أطلقتها جمعية شمس عبر منصة Fundahope للتبرعات النقدية من داخل لبنان وخارجه.
يقف الرجلان على المسرح، ويقرآن الصحيفة. لا يهمهما من هذه الصحيفة إلا الصفحة السابعة، فهي صفحة الوفيات. تهمهما هذه الصفحة لأنها ترشدهما إلى أماكن تقبل التعازي حيث الطعام والقهوة المجانيين، أو ربما تهمهما لسبب آخر؟ إنهما يبحثان عن اسميهما، ليعرفا إن كانا على قيد الحياة، بعد أن فقدا هذه الخشبة التي يقفان عليها. لكنهما لن يجدا اسميهما، لأنكم ستقفون مع المسرح.