افتتح مسجد الإمام الشافعي بالقاهرة لصلاة الجمعة الماضية بعد طول إغلاق بسبب أعمال الترميم والصيانة التي تكلفت حوالي 13 مليون جنيه. في حين لا تزال أعمال الترميم والصيانة قائمة لإصلاح القبة الأثرية بتكلفة تبلغ 20 مليون جنيه مقدمة من صندوق السفراء الأميركي. وبالرغم من أن الإمام الشافعي صاحب المسجد والقبة توفي في بدايات القرن الثالث الهجري، فإن العناصر الأثرية بالمسجد تبدأ من العصر الأيوبي مثل التابوت الذي وضع على المقبرة البسيطة، ثم شيّدت القبة التي تعد الأكبر والأجمل بين نظيراتها في مصر في العصر المملوكي، ثم المسجد الذي بني ليحيط بالقبر ثم النقوش المتنوعة في العصر العثماني، ثم توسع المسجد إلى صورته الحالية في عصر أبناء محمد علي.
ولد الإمام محمد بن إدريس الشافعي في غزة سنة 767م/150هـ، ورحل إلى الحجاز واليمن وبغداد، وقد عرف في الأمصار بمذهبه الفقهي ومؤلفاته الأصولية، وقد استقر به المقام في آخر حياته بمصر وتوفي فيها سنة 820م/ 204ه. وقد استمرّ التبرك بقبة الإمام زمناً طويلاً لدرجة أن بعض السلاطين وذويهم والصالحين كانوا يوصون بأن يدفنوا إلى جواره.
في سنة 1178م/574هـ أمر السلطان صلاح الدين الأيوبي أحد الصناع المهرة في دولته ويسمى عبيد النجار والمعروف بابن المعالي أن يصنع ناووساً (تابوتاً) من خشب الساج الهندي، وهذا التابوت المحفوظ مزخرفٌ بحلْية دقيقةٍ، منقوش عليه نقوش نباتية وكتابات كوفية ونسخية. أما القبة فيعود تاريخها إلى سنة 1211م/608هـ في زمن السلطان العادل الأيوبي. وفي سنة 885هـ/1480م أمر السلطان المملوكي قايتباي بتجديد القبة، كما هو مسجل على وزرة القبة. وفي زمن السلطان قنصوه الغوري (1501 -1516) حظيت القبة بأعمال صيانة كما هو مسجل على ارتفاع مترين على يمين النافذة الموجودة في الحائط الشمالي الغربي. وفي سنة 1186هـ/ 1772م أجرى الأمير علي بك الكبير حاكم مصر أعمال تجديد وإصلاح كبيرة بالقبة تضمنت إزالة ما عليها من الرصاص القديم الموجود. وأزال الخشب القديم ووضع ألواحاً من خشب نقي حديث. كما جدد علي بك الكبير نقوش القبة من الداخل ودهنها بماء الذهب واللازورد. وفي سنة 1190هـ/ 1776 قام الأمير عبد الرحمن كتخدا بتجديد ردهة المدخل وتبليطها بالرخام الملون. وكان قد قام سنة 1761 ببناء جامع الضريح. كما أمر الخديوي توفيق بترميم الجامع وتجديده سنة 1891. أما الهيئة الحالية للمسجد فهي من إنشاء الخديوي عباس حلمي الثاني سنة 1913.
دفن في الضريح إلى جانب الإمام الشافعي من أسرة صلاح الدين الأيوبي زوجته الملكة شمسة، وابنه العزيز عثمان. كما دفن فيه أيضاً الملك الكامل بن العادل الذي ينسب إليه بناء القبة وإن كان ذلك في عهد أبيه قبل توليه الحكم، وتوجد حول قبره مقصورة مطعمة بالصدف. وفي الضريح أيضاً مقابر أولاد ابن عبد الحكم والعديد من كبار أئمة المذهب الشافعي، كما يوجد بالضريح إلى جوار تابوت الإمام الشافعي تابوت آخر من الخشب فوق قبر أم الملك الكامل الأيوبي لا يقل في أهميته عن تابوت الشافعي، وقد زخرِفَت جوانبه الأربعة بحشوات دقيقة عليها زخارف نباتية مخمورة تتوسّطها حشوات نجمية فائقة الجمال.
توصف هذه القبة بأنها هائلة الحجم، فهي من أكبر قباب مصر وأجملها، وقد بنيت من الخشب لتخفيف كتلة البناء الهائلة التي يحملها مربع القبة. فالضريح عبارة عن غرفة مربعة طول ضلعها 15 متراً، تمثلها أربعة جدران سميكة. أما القبة فيبلغ ارتفاعها 27 متراً. والقبة مكونة من طبقتين: الأولى خشبية داخلية، والثانية خارجية مصنوعة من الرصاص، ولهذا الضريح ثلاثة محاريب تتجه نحو مكة، عند حائط اتجاه قبلة الصلاة، وهناك باب في كل من الحائطين الشرقي والشمالي. ويعلو هلال القبة مركب صغير من النحاس الأصفر مثبت في الهلال تتدلى منه سلسلة حديدية، ويُعرف المركب باسم العشاري. وقد أشار بعض المؤرخين والرحالة في القرن السابع عشر إلى هذا المركب فوق القبة، وذكروا أنه كان يملأ بالحبوب لأكل الطيور.