مساجد الدوحة... أنماط متنوّعة من فنّ العمارة

22 سبتمبر 2022
تنتمي المساجد إلى أنماط مختلفة من العمارة الإسلامية (Getty)
+ الخط -

تحتضن العاصمة القطرية الدوحة عدداً من المساجد التي بُنيت وفقاً لأنماط مختلفة من العمارة الإسلامية. لكن تظل مساجد بعينها شاهدة على تاريخ قطر ومدى تأثرها بانماط هندسية مختلفة، خصوصاً النمط العثماني، إلى جانب مساجد بُنيت حديثاً بطراز عصري، فيه خروج عن السائد.

خلال العقود الأخيرة، سعت الدولة القطرية للانفتاح على ثقافات العالم، فسمحت ببناء مساجد مثّلت نقلة نوعية في العمارة بإشراف معماريين عرب وأجانب. كذلك خضع عدد من المساجد القديمة، على غرار مسجد القبيب ومسجد عمر بن الخطاب، لأعمال ترميم من أجل تحقيق شروط الاستدامة فيها دون المساس بطرازها المعماري الأصلي، كل ذلك في إطار تحقيق رؤية قطر 2030.

اليوم، يحمل كل واحد من مساجد الدوحة قصّة مميزة تجعل منه معلماً يُقبل على زيارته كل من تطأ قدماه قطر، سواء لممارسة الشعائر الدينية أو حباً بالاكتشاف. في هذا التقرير، جولة سريعة لمعرفة أبرز خصائص هذه المساجد التي تقف شاهدة على التغيّر العمراني الكبير الذي تمرّ به قطر.

مسجد القبيب شاهد على تاريخ تأسيس قطر

يمتدّ هذا المسجد على مساحة 9200 متر مربع، ويقع في قلب الدوحة، قرب مسجد فنار وسوق واقف، وهو من أقدم مساجد العاصمة وأشهرها، حيث بُني عام 1878. يكتسب المسجد قيمته ورمزيّته من تاريخ بنائه الذي يعود إلى عهد مؤسس دولة قطر، الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، علماً أنه خضع لأعمال ترميم وإعادة بناء عام 2012 وفق طرازه المعماري القديم الأول.

تُمثّل المئذنة أسطوانية الشكل أقدم نموذج للمآذن في قطر، وتُظهر التأثّر بالنمط المعماري في تركيا وشبه الجزيرة العربية، قبل أن تبرز أنماط جديدة، على غرار المئذنة ذات الشكل المثمن الأضلاع، والشكل المخروطي، والشكل المربع. ويتميّز هذا المسجد بعدد قبابه البالغ 44 قبة على خلاف المتعارف عليه في مساجد البلاد، ولا سيما تلك التي تُشرف على بنائها وزارة الأوقاف، وتكاد تخلو من القباب.

مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب أو المسجد الأكبر

يتفوّق مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب المعروف بالمسجد الأكبر على جميع مساجد الدولة من حيث المساحة، إذ يمتدّ على 175 ألف متر مربع، متفوّقاً بذلك على مسجد فنار الذي ظل المسجد الأكبر إلى غاية سنة 2009، رغم أن هذا الأخير بقي محتفظاً بلقب أطول مسجد في قطر.

يقع مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب في منطقة الجبيلات في الدوحة، وتحديداً في شارع المهندسين. ويمكن رؤية المسجد من بعيد، ذلك أنه يقع على تلّة عالية تطلّ على كورنيش الدوحة، وهو يحاكي في شكله الخارجي مسجد القبيب. وقبل أن يُسمّى على اسم المصلح المسلم الإمام محمد بن عبد الوهاب، كان يُعرف بالمسجد الأكبر.

من حيث التصميم، يتميّز الجامع بعدد قبابه البالغ 99 قبة، على عدد أسماء الله الحسنى، وهو يتسع لنحو 31200 مصلٍّ ومصلية في صحن المسجد وفي فنائه الخارجي. أما في الداخل، فتجذبك فساحة المسجد وإضاءته بالثريات الملكية، بالإضافة إلى السجاد الملكي الذي يضفي راحة على المكان.

مسجد عبد الوهاب (ويكيبيديا)
يتميّز الجامع بعدد قبابه البالغ 99 قبة (ويكيبيديا)

بالنظر إلى سعي وزارة الأوقاف لإعادة تهيئة جميع مساجد الدولة لجعلها تخضع لشروط الاستدامة، تُعتمَد في إنارة المسجد ليلاً تقنيات الإضاءة المخفية وغير المباشرة وإضاءة الصمامات الثنائية الباعثة للضوء، وهو ما يُسهم في إبراز خصائص المسجد المعمارية والجمالية.

مسجد عمر بن الخطاب... مسجد بقباب نصف دائرية

يقع مسجد عمر بن الخطاب، الذي شُيِّد في عام 1984، في مدينة خليفة الجنوبية، وقد خضع لأعمال تجديد ليُعاد فتح أبوابه في عام 2019 بحلّة جديدة، مع مراعة شروط الاستدامة من حيث استهلاك الكهرباء والمياه والحفاظ على جمالية التصميم التراثي.

على صعيد التصميم، تعلو القاعة الرئيسية للصلاة قبة نصف كروية بلا فتحات، وتحيط بها أربعة أنصاف قباب، فيما تعلو المسجد مئذنة اسطوانية مُضلّعة. ويتّسع الطابق الأرضي للمسجد لنحو 1130 مصلّياً و130 مصلية، فيما يتسع الطابق الأول لقرابة 444 مصلّياً و580 مصلية، علماً أن المسجد يمتدّ على مساحة قدرها 2760 متراً مربعاً.

مسجد أسباير... طراز عصري متناغم مع المدينة الرياضية

يقع هذا المسجد ضمن منطقة أسباير الرياضية، ويتناسق تصميمه مع مبنى الشعلة الذي تشتهر به هذه المنطقة، وهو تصميم عصري يختلف عن النمط المهيمن على المساجد القديمة في الدوحة.

هذا المسجد واحد من المسجدين الوحيدين في قطر اللذين تُلقى فيهما خطبة الجمعة باللغة الإنكليزية، إلى جانب مسجد فنار. وفي الوقت الذي تتشارك فيه كل المساجد في ميزة المئذنة الواحدة، تقف على جانبي مسجد أسباير مئذنتان، ويخلو تصميمه من القباب تماماً. ويتسع هذا المسجد الممتد على مساحة 1460 متراً مربعاً لنحو 700 مصلٍّ و150 مصلية.

مسجد أسباير ومبنى الشعلة الشهير (ألكس غريم/Getty)

مسجد مشيرب... مثال الاستدامة

يُعَدّ مسجد مشيرب، الواقع في قلب مدينة الدوحة بالقرب من سوق واقف، أحد المشاريع التي تتميز ببساطتها وعصريتها في آن معاً، إذ استُخدمت الأحجار المحلية والتهوية والإضاءة الطبيعيتان، فضلاً عن الطاقة الشمسية لجعله ينضوي ضمن مشروع الاستدامة. وقد صمّمت هذا المسجد شركة جون مكسلان وشركائه، وهو يمتد على مساحة 2578 متراً مربعاً، وبلغت تكلفة إنشائه 64 مليون ريال قطري.

فاز هذا المسجد عام 2017 بجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد التي تُمنح للمساجد المتميزة من حيث التصميم ومدى خضوعها لشروط الاستدامة في منطقة الخليج، حيث تفوّق على 122 مسجداً مُرشحاً لنيل الجائزة. وقد استُلهم تصميم مسجد مشيرب من عمارة المساجد القطرية التراثية التي كانت تعتمد منذ قرون عدة على توفير التهوية الطبيعية والظلال والمياه لضمان بيئة مريحة للمصلين.

تبلغ مساحة المسجد 1400 متر مربع، ويتسع لنحو 600 مصلٍّ، وتتخذ مئذنته الشكل الأسطواني تماماً كمسجد القبيب، فيما تغيب عنه القباب، كما هو الحال في مسجد إسباير.

مسجد مطار حمد... قبّة على شكل قطرة ماء

يكتسب مسجد مطار حمد الدولي قيمته الجمالية من تصميمه الفريد من نوعه والعصري إلى حدّ كبير، ولا سيما قُبّته التي تغطّي كل المسجد وتتخذ شكل قطرة ماء، في محاكاة للفكرة الرئيسية التي اعتُمدت في تصميم المطار والمستوحاة من المياه البارزة في جميع مبانيه.

صُمّمت القبة من 1600 قطعة من الزجاج على مساحة تفوق 2000 متر مربع، فيما تعلو المسجد مئذنة يبلغ ارتفاعها 36 متراً، وهي على الطراز العثماني. ويتسع المسجد لنحو 500 مصلٍّ، بالإضافة إلى الجزء الخاص بالنساء، وهو يستقبل المسافرين والقادمين من المطار الذين يؤدون الصلاة في رحاب هذه التحفة المعمارية.

المساهمون