لأكثر من خمسين عاماً، تطرح السينما والدراما العربيتين حكاية الإصابة بمرض السرطان في سياق درامي مؤثر. يسعى بعض المنتجين إلى توظيف ذلك من باب إثارة المشاهد، واستمالة تعاطف ينقذ أحياناً الفيلم أو المسلسل من عامل الرتابة الهجين. قبل سنتين، اختارت المغنية اللبنانية إليسا الاعتراف عبر أغنية مصورة باصابتها بسرطان الثدي، ونجحت إليسا من خلال مقدمة هاتفية تختصر كيفية تلقيها العلاج مع المخرجة إنجي جمّال، في كليب أغنية "إلى كل اللي بحبوني"، في استعطاف جمهورها أولاً، وجزء كبير من المتابعين الآخرين. اعتراف إليسا شكل تحديًا واضحًا لكل امرأة تُصاب بسرطان الثدي، وحثها على متابعة حياتها متفائلة، وواثقة بالشفاء، بعد سنوات طويلة كان تشخيص حالة المصابين بالسرطان سريًا، أو لا يجوز في اعتقاد البعض المجاهرة به، وتغليب منطق الخوف، عوضًا عن المواجهة.
ربما ساعد إليسا عامل الوقت، وانتشار كبير لمواقع التواصل الاجتماعي مع الحالة المرضية التي لا تقتصر بالضرورة على الإصابة بمرض فتّاك، بل السعي وراء الهدف في إمكانية تلقي العلاج، وتحديد حجم الإصابة عن طريق الفحوصات والكشف المبكر.
في الذاكرة مجموعة من الأفلام المصرية التي تناولت هذا الموضوع، وحققت نسبة مشاهدة كبيرة منذ السبعينيات إلى اليوم. من بين هذه الأعمال بالطبع فيلم "حبيبي دائما" (1980)، بطولة الممثل الراحل نور الشريف وزوجته بوسي، وإخراج حسين كمال، بعد قصة حب جارفة تصاب فريدة (بوسي) بالمرض، تعود إلى القاهرة بعد طلاقها في باريس من زوجها الأول، لتلتقي مجدداً بحبيها الطبيب إبراهيم (نور الشريف). يتزوجان بسرعة كمحاولة منه لإنقاذ حبيبته، لكن القدر لا يستجيب في نهاية الفيلم.
في عام 2017، قالت الممثلة التونسية هند صبري إنها تحمست لتقديم مسلسل "حلاوة الدنيا"، لأنه عاطفي ويخاطب المشاعر التي نعاني في حياتنا بشكل عام من فقر فيها، رافضة في الوقت نفسه وصف المسلسل بـ"الكئيب"، ولكنه حاول أن يقدم رسالته الأساسية بأن الدنيا حلوة يجب أن يعيشها المريض ويكسر الخوف من المرض. وحقق المسلسل نسبة مشاهدة عالية وقتها بسبب القدرة الدرامية على مخاطبة الناس والبساطة في التأقلم مع عروس كانت تستعد لزفافها، لتكتشف أنها مصابة بالسرطان وتبدأ مرحلة العلاج.
في لبنان، يطرح مسلسل "من الآخر"، قصة أياد أبو الشامات وإخراج شارل شلالا، قصة الأم (رولا حمادة)، التي تكتشف إصابتها بسرطان الثدي، وتحاول المقاومة عبر العلاج أمام عائلتها في ظل وضع اقتصادي لبناني متأزم ينقله المسلسل ليسلط الضوء على مأساة اللبنانيين، تحديداً في طريقة عيشهم اليومية. تأتي محاولة المسلسل كنوع من رسالة تحث السيدات على القيام بالكشف المبكر تفاديًا للخطر جراء الإصابة، وتبني الأبناء لحالة الأم عن طريق الدعم لها ومساعدتها في التغلب على التأثير الجانبي للعلاج الذي يُشكل جزءًا آخر من الصحة النفسية بسبب التغييرات التي يعيشها المريض. محاولة درامية جيدة عربيًا، لمحاكاة الواقع عبر عمل يحاول كسر حاجز الخوف والسرية، أمام هول الإحصاءات والأرقام التي توثق عدد الإصابات بمختلف الأمراض في العالم.