محمد بلخياط... رحيلٌ هادئ لحضور بهي

30 أكتوبر 2021
بلخياط (وسط) من الأسماء النيّرة التي وقفت في وجه الأغنية الترفيهية (فيسبوك)
+ الخط -

رحل قبل أيام، في أحد مستشفيات مدينة الرباط، المُلحّن وعازف العود المغربي، محمّد بلخياط (1951)، ومعه انتهت مسيرة فنيّة دامت أكثر من 40 سنة. إذْ رغم ما للفنّان من حضورٍ بهيّ داخل مناسبات موسيقيّة رسمية، فإنّ شهرته ظلّت مُحتشمة على مستوى تلقّيها من لدن الجيل الجديد، مقارنة بكوكبة مُلحّنين مغاربة من جيله.

مع ذلك، فإنّ للملحّن محمّد بلخياط لمسته الخاصّة والذكيّة داخل بعض الأغاني المغربيّة الأصيلة، إذ اشتغل مع جملة من عيون الطرب المغربي، كالبشير عبدو ومحمّد الغاوي وعماد عبد الكبير ونعيمة سميح. ورحيله كان له أثر بالغ داخل الساحة الغنائية المغربيّة، خاصّة من لدن طلبته في التلحين والعزف والغناء والإيقاع، إذ تخرّج على يده، في "المعهد الوطني للموسيقى والرقص" في الرباط، الآلاف من الطلبة الذين يشتغلون عازفين وملحّنين داخل فرق غنائية عربيّة وأجنبية.

لم يكُن محمّد بلخياط من المُلحّنين الذين يتهافتون على فُتات المؤسّسات الفنيّة أو ممن يحبّون الأضواء ويختفون وراء إكسسوارات السهرات الرسمية، على خلفية ما تُتيحه اليوم من حظوة لأهل الفنّ للتقرّب من عالم السياسة ومراكز القرار. فقد ظلّ نحو نصف قرنٍ يعمل في صمت، قبل أنْ تتلقّفه الإذاعة الوطنية، ما فتح له أفقاً فنيّاً جديداً على مستوى تداول اسمه وذيوعه داخل الأغنية المغربية العصرية.

وعلى الرغم من أهميّة المُلحّن محمّد بلخياط داخل نسيج الأغنية العصرية، فإنّه لا يُعتبر رائداً أو مُجدّداً للأغنية، كما تناقلت صحف ومواقع مغربيّة. فـ"التجديد" مفهومٌ له علاقة بـ"الخرق" الجمالي للأغنية، وبالتالي فإنّ استخدام مقامات مغربيّة أو لمسات من التراث العربي لا يجعل الأغنية تجديدية، علماً أنّ أسماءً كثيرة سبقته في ولوج هذا المنعطف الفنّي وراكمت ألحاناً مُغايرة، وذلك في اللحظة التي شعر فيها وجوه الطرب العربي بأنّ أغانيهم باتت مُهدّدة من فرط انتشار واكتساح الأغنية الغربية للساحة العربيّة. وبالتالي، فإنّ إضفاء هذه اللمسات الفنيّة لا يجعله رائداً، وإنّما يدخل ضمن سيرورة تطوّر الأغنية المغربيّة وتوسيع أفقها الجمالي، بالاستناد إلى نماذج فنيّة قديمة.

إنّ صيغة الرجوع في سيرة محمّد بلخياط اللحنية ذات منزع جمالي تقوم على فكرة تأصيل الأغنية المغربيّة وجعلها تُلقّح نفسها من ذاتها وذاكرتها وتراثها، من دون الاستناد إلى تراث الآخر الغنائي. وهذا في حد ذاته أمرٌ مسبوق في تاريخ الأغنية العربيّة، وتداولها هذا النّمط التراثي بشكلٍ كبير حتّى مع المسرحي المغربي الراحل الطيّب الصديقي، بالرجوع إلى مقامات الحريري وغيرها من القوالب الفنيّة الكلاسيكية.

لكنّ بالاستناد إلى الإنتاج القصير والنوعي لمحمّد بلخياط، فإنّه يُعتبر من الأسماء النيّرة التي وقفت في وجه الأغنية الترفيهية. إمّا عن طريق الصولفيج من خلال تكوين الموسيقيين على عزف العود، أو عبر قيمة اللحن في تغيير الأساسات الجماليّة للأغنية، إذ حرص على تزويدهم بآليات المُقاومة لا بضرورة ومعرفة وقراءة الموسيقى نفسها فقط، ما يجعل طريقته شكلاً من أشكال المُقاومة وحفظ الذاكرة وتثمين تراث الأجداد الفنّي واستخدامه وفق طرقٍ وأساليب ورؤى عصرية ذات نفس مغربيّ، بدل أنْ تنصاع إلى المُنجز الموسيقيّ الغربي تأليفاً وإنتاجاً وعزفاً.

المساهمون