مجد مستورة: المهمّ أن تتداخل الفنون مع بعضها

05 يونيو 2022
مستورة: أهمية المهرجان أنه يُقدم رؤية أفضل عن قابس (شون غالوب/Getty)
+ الخط -

كان وجود الممثل التونسي الشاب مجد مستورة، الفائز بجائزة الدبّ الفضّي لأفضل ممثل في الدورة الـ66 (11 ـ 21 فبراير/شباط 2016) لـ"مهرجان برلين السينمائي" عن دوره في "نحبّك هادي" لمحمد بن عطية، في الدورة الـ4 (6 ـ 12 مايو/أيار 2022) لـ"مهرجان قابس سينما فن" (تونس)، لافتاً للانتباه. شارك في سباق الدرّاجات الذي نظّمه المهرجان، مُنطلقاً من أمام الصالة السينمائية "لاغورا"، التي كانت مقرّ "الحزب الوطني" في عهد زين العابدين بن علي، إلى "جارة"، السوق التاريخية العتيقة، التي احترقت بنسبة 30 بالمائة، قبل بدء الدورة الأخيرة بأيام قليلة، بالتزامن مع 27 حريقاً آخر، في مناطق مختلفة في تونس، قيل إنّها مقصودة.

كان مجد مستورة يحمل على ظهره حقيبته الجلدية. كان مُتجاوباً مع الجميع. التقته "العربي الجديد"، وأجرت معه الحوار التالي. إذ قال فورًا عن زيارته مدينة قابس: "هذه أوّل مرة أحضر فيها المهرجان، وأوّل مرة أزور مدينة قابس، وأتعرّف عليها. المهمّ أنْ تدخل السينما إلى هذه المدينة، وأن تعيش المدينة على وقع المهرجان، وتتجاوب مع فعالياته أسبوعاً كاملاً. ميزة (مهرجان قابس سينما وفن) أنّه يتماهى ويتداخل مع حياة أهل المدينة. أحياناً، تنعزل مهرجانات سينمائية عن المكان والناس والعالم المحيط بها. إضافة إلى ذلك، برمجة الأفلام العربية ممتازة ومتنوّعة، كبرمجة أفلام السينما العالمية".

ما الذي لفت نظرك، أكثر من أي شيء آخر، في حفلة الافتتاح، رغم أنّه بسيطٌ، ولا سجادة حمراء فيه؟
ـربما يكونُ شكلياً، لكنّه أعجبني جداً: افتتاحٌ بسيطٌ جداً. صحافيان اثنان قدّما الحفلة من دون خطاباتٍ لمسؤولين. خطابات كهذه لا داعي لها أحياناً. تكون مملّة. ما حدث في الافتتاح يدعو إلى الفرح والفخر بأنْ يكون عندنا مهرجانٌ كهذا في تونس، رغم أنّه لا يزال صغيراً، إذ يبلغ 4 أعوام فقط. لكنّ التنظيم، إلى الآن، ممتاز. إنّه تجربة جميلة جداً.

بتقديرك، هل يمكن لهذا المهرجان الوليد أن يؤدّي دوراً في مزيد من التوعية، وحلّ المشاكل التي تعانيها قابس، خاصة مشكلة التلوّث البيئي؟
مشكلة التلوّث كبيرة جداً، أكبر بكثير من أن يحلّها مهرجانٌ سينمائي. طبعاً، سيكونُ رائعاً أن يتمكّن المهرجان، أو ينجح، من المساهمة في حلّها. لكنْ، له حالياً دورٌ آخر مهم يكمن في التوعية، أي أن يجعلنا كفنانين نعي مشكلة التلوّث. أقصد ألاّ نكتفي بما لدينا من معلومات عن التلوّث البيئي في قابس، بل أن يجعلنا ـ زميلاتي وزملائي وأنا ـ نأتي إلى المكان، ونرى ونحسّ بالتلوّث، في الهواء والماء، ونتحدّث مع سكّان المدينة عن مشاكلهم الصحية، ونتفاعل معهم، ونحاول أن نبحث عن حلول. أهمية المهرجان أنّه يُقدِّم رؤية أكبر عن قابس من زوايا مختلفة. فكما يُشير إلى مشاكلها، يُساهم أيضاً في تسليط الضوء على جمالياتها، كمدينة تاريخية تمتلك واحة بديعة وفريدة من نوعها على امتداد البحر المتوسّط، تحتوي على نحو 300 نخلة.

امتدحت البرمجة، وأكّدت ثرائها. فما رأيك في كسر الحدود بين الأنواع الفيلمية والفنية في "قابس سينما فن"، مع تجاور فنّ السينما والـ"فيديو آرت" والواقع الافتراضي؟
هذا جميلٌ جداً، لأنّ المهمّ أن تتداخل الفنون بعضها ببعض، وأن يلتقي الفنانون من قطاعات مختلفة، موسيقيين وسينمائيين، بعضهم قادمٌ من التصوير الفوتوغرافي، وآخرون من الفيديو وفنون الأداء. هذا اللقاء مهمٌّ جداً، خاصة أنّ فنّ الفيديو لا يزال فتيّاً في تونس، أي أنّه ليس قديماً. إنّه فنّ نخبوي يقتصر على المتخصصين في تونس. "مهرجان قابس سينما فن" يحاول أن يجعله فنّاً يتجاوب معه الجمهور، بوضعه في كبائن في الشارع، وفي إتاحته للجميع، بفضل مُشاركة التونسي مالك جناوي، الفنان البصري، ابن قابس، الذي يُقدّم أعماله في أشهر غاليريهات العالم، والذي يُشرف على هذا القسم، وفيه عروض لأفلام الفيديو، ومعرضٌ لتاريخ كرة القدم في منطقة "لاغورا" وقاعتها. أمر جديد آخر هذا العام: توفير إقامة لفنانين اثنين، تونسي ونمساوي. سيكون مشروع الإقامة دائماً للفنون البصرية، ونتيجته هذا العام معرضان عن قابس، وهذا محمودٌ.

ماذا عن نشاطك الفني الحالي؟
صوّرتُ جديداً لي بعنوان "أُلفة"، مع المخرجة كوثر بن هنية. إنّه الآن في مرحلة المونتاج. وثائقيّ طويل، صوّرته كوثر في 4 ـ 5 أعوام، فباتت لديها مئات الساعات المُصوّرة. شارك فيه ممثلون، لـ3 أسابيع، بينهم هند صبري. سنشاهده قريباً.
كذلك، هناك فيلم مع المخرج محمد بن عطية، سعيدٌ أنا به، بعد 6 أعوام على فيلمنا الأول "نحبك هادي". الآن، نعيد التجربة معاً، بعد إخراجه فيلماً مع نجوم آخرين، بعنوان "ولدي". شاركتُ في أفلامٍ، ودرستُ المسرح. مع هذا الجديد، كان اللقاء جميلاً جداً، بصداقتنا، وبالتجارب الجديدة التي عشناها في الأعوام الماضية. لكلّ واحد من الفيلمين تجربة فريدة من نوعها. فيلم بن هنية خليطٌ من الوثائقي والروائي، ومع بن عطية روائيٌّ خالص، مع دور جديد للغاية بالنسبة إليّ، ومختلف عمّا يُقدّمه بن عطية من قبل. الفيلم مليءٌ بالتحدّيات، وسيبدأ عرضه قريباً.

هل يشغل تفكيرك موضوع الجوائز عندما تمثّل دوراً، فتتمنّى تكرار الفوز بجائزة دولية، كما حدث في برلين سابقاً؟
صراحةً، لا. ما يهمّني أن ينجح الفيلم، ويعجب المشاهدين. الجميل في التصوير أنّي أناقش المخرجين، ويكون لي دائماً سؤال عن أساليب التصوير والتمثيل والحوار وغيرها. لكنّ هاجسي يتعلّق بالمُشاهد، وبكيفية تقبّله حكاية الفيلم. صحيحٌ أنّ لي حظّاً كبيراً، في بداية عملي الفني، في الحصول على جائزة مهمة في برلين. لكن، بالنسبة إليّ، الجوائز ليست المحدِّد الأكبر لنجاح العمل الفني. إذا حصلتُ عليها، يكون الأمر جميلاً. لكنّها ليست أكبر هاجس، ولا أكبر معيار لنجاح التجربة، والفيلم.

المساهمون