متحف البراءة

07 أكتوبر 2021
الروائي التركي أورهان باموق (فيسبوك)
+ الخط -

يجادلني صديق تركي، غاضباً من اهتمامي بأدب أورهان باموق، مستشهداً بناقد تركي كبير كتب: "لن تجد تركياً واحداً قرأ لباموق". أجيبه ساخراً: "أنتم مثل العرب... كل شيء عندكم من صنيع المؤامرة".
ينقسم الجمهور التركي حول الموقف من الروائي التركي أورهان باموق، المولود في 1952، والحاصل على جائزة نوبل للآداب في عام 2006؛ فمنهم من يعتبره مفخرة للأدب التركي، ومنهم من يرى في أدبه تغريباً وترويجاً للقيم الدخيلة على مجتمعهم. ووصل الأمر إلى حد محاكمته بتهمة ازدراء الهوية التركية، بسبب انتقاده مؤسس الجمهورية، كمال أتاتورك، وتصريحاته عن إبادة الأرمن، مخالفاً الرواية التركية الرسمية.
قرأتُ معظم روايات أورهان باموق المترجمة إلى العربية، وكانت سعادتي كبيرة عندما تصدُر رواية جديدة له، ولا سيما تلك الموقعة بترجمة الصديق الراحل، عبد القادر عبد اللي.
رحل عبد اللي عن عالمنا عام 2017، وهو يترجم عمل باموق، "الفتاة الصهباء"، وكان قد ترجم معظم أعمال باموق، ومنها "جودت بيك وأبناؤه"، و"اسمي أحمر"، و"إسطنبول: الذكريات والمدينة"، و"البيت الصامت"، و"الكتاب الأسود"، و"الحياة الجديدة" و"متحف البراءة".
تتحدث رواية "متحف البراءة"، الصادرة عام 2008، عن إسطنبول السبعينيات، وهي تتأرجح بين الانقلابات العسكرية وحكومات مدنية بعمر قصير ومجتمع محافظ، وآخر منفتح بمدنية تحمل على كاهلها إرث الإمبراطورية العثمانية، وجهود التحديث والتغريب الكمالية، عبر قصة حب لا تكتمل بين كمال الغني، وأفسون الفقيرة، في حي من أحياء إسطنبول القديمة العريقة.
يماثل باموق بين نفسه وبين بطل الرواية كمال، إذ يقول في ختام العمل: "كمال وأنا نبذنا من طبقتنا ومحيطنا: بمعنى أننا سقطنا خارج طبقتنا. هو بسبب عشقه لأفسون، وأنا بسبب حبي للأدب ووضعي السياسي. وكلانا لسنا نادمين".
أضاف باموق، إلى روايته، بعداً جديداً، عندما طلب من قرائه أن يزوروا المنزل الذي دارت فيه الحكاية، حاملين معهم الرواية حيث افتتح باموق "متحف البراءة" في عام 2012، بعد أن اشترى المنزل الذي عاش فيه بطل روايته، والذي يقع في حي "بي أوغلو"، خلف شارع الاستقلال، وجمع صوراً، وأشياء تنتمي إلى حقبة الرواية. الآلاف من أعقاب ماركات السجائر الرائجة وقتها، صور قرع كؤوس الراكي (العرق التركي)، والألعاب، والفساتين والحقائب، والسيارات، وأدوات الطعام، والزينة، وغيرها.
زار باموق قبل افتتاح متحفه ألفا وسبعمئة وثلاثة وأربعين متحفاً خاصاً في العالم؛ إذ قال في روايته: "جمعت تذاكرها، وحدثته عن متاحف الكتاب الذين يحبهم". ولاحظ أن القطعة الحقيقية الوحيدة في متحف ديستوفسكي، في سان بطرسبرغ، هي قبعة وضعت في حافظة زجاجية، وكتب بجانبه "إنها لديستوفسكي حقيقة". وأن متحف نابوكوف كان يستخدم في المدينة نفسها مكتباً حزبياً أيام ستالين، ولم يعجبه معرض مارسيل بروست، على عكس بيت إسبينوزا في هولندا، ومتحف طاغور في كالكوتا الهندية، ومنزل بيرانديللو في صقلية، وبيت خالة إدغار آلان بو في بالتيمور في الولايات المتحدة.
عندما تزور متحف "معصوميات"، وهي المفردة التركية للبراءة، تجد بالإضافة إلى مسودات الرواية، نسخاً عديدة من طبعاتها التركية المختلفة، وباللغات المتعددة، إلا الترجمة العربية؛ فهي غائبة.
تدور الأخبار اليوم عن توقيع عقود مع نجوم الدراما التركية، ومنهم شاناي أولسوي وبنيار دينيز، لتحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني.
الجدير ذكره أن باموق نشر في عام 1992 سيناريو "الوجه الخفي"، وحاز جائزة أفضل سيناريو وقتها في مهرجان البرتقالة الذهبية في أنطاليا التركية، وقد أخرجه الفنان عمر كافور. ونجد أن فكرة العمل متضمنة في روايته "الكتاب الأسود".
وأخبرني الصديق المترجم، محمد سيزكين، أن هناك فيلماً قصيراً يحمل عنوان "لا تقولوا لأورهان باموق إن الفيلم الذي صورته في مدينة قارص فيه رواية الثلج".

المساهمون