مبادرات عالمية: من أجل طيور على أرض غزة

مبادرات عالمية: من أجل طيور على أرض غزة

20 فبراير 2024
في رفح على الحدود المصرية (لؤي أيوب / Getty)
+ الخط -

يأخذ الحراك المجتمعي في الغرب، خصوصاً الحركة الفنية، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، مساراً مغايراً لِما سلكته الحكومات، لظهور مبادرات متضامنة مع الشعب الفلسطيني، انحيازاً من أصحابها إلى معانٍ إنسانية تجاهلتها الأنظمة بدعمها دولة الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على الفلسطينيين في قطاع غزة.

مبادرات وطيور

من أواخر تلك الفعاليات، معرض جماعي أقيم في ولاية بورتلاند الأميركية، في 28 يناير/كانون الثاني، تتويجاً لأكثر من 15 ورشة، نظمتها مبادرة Birds Of Gaza، من أجل صناعة طيور ورقية يقدمها أطفال العالم، تكريماً لأطفال غزة.
هذا المعرض، مثلما جاء على الموقع المخصص للمبادرة، هو إحياء لذكرى الأطفال الذين استشهدوا في قطاع غزة، أما أعماله الفنية فمن صنع أطفال العالم، وتهدف إلى "إيصال أصوات الأطفال الفلسطينيين المهمّشين الذين غالباً ما تكون أسماؤهم غير ممثلة في الخطاب السياسي".
وورد في دعوة الانضمام إلى المبادرة: "نحن نخلق هذه الطيور لتكريم أطفال فلسطين والتواصل معهم، لإحياء ذكراهم وتذكر أسمائهم. نلتقي كمجتمع للحداد ولربط حزننا بالتعليم والعمل. عمل واحد في حركة كبيرة من أجل العدالة والحرية".
مبادرة فنية أخرى أطلقتها منظمة Agender الأسترالية من خلال أعمال لـ31 فناناً تبرعوا بها للجهود الإغاثية في قطاع غزة، وذلك عبر معرض أقيم 19 يناير/كانون الثاني.
استمر المعرض حتى الثاني من فبراير/شباط، والتحقت به أيضاً منظمة Photographs of peace بـ33 عملاً قدمتها فنانات أستراليات. وقررت المؤسستان المنظمتان توجيه العائدات إلى إغاثة قطاع غزة، عبر منظمتي أطباء بلا حدود وإنقاذ الطفولة.
بحسب ما أفادته Agender؛ فإن المبادرة، إضافةً إلى جمع التبرعات، سعت إلى "تعزيز التضامن والمسؤولية المشتركة في وقت يسوده اليأس والعجز الشديدان"، وإلى أن يساهم عملهم باعتبارهم مصورين وفنانين "ولو بطريقة بسيطة في دعم منظمتين تعملان بلا كلال في الخطوط الأمامية".
وجاء في الدعوة التي وجّهتها المؤسستان إلى المعرض: "ما نقدمه لفتة متواضعة للتضامن والدعم، بينما نجلس هنا بأمان، لنشهد الهجمات الأكثر بشاعة ووحشية على سكان قطاع غزة الذين يبلغ تعداد الأطفال والرضع منهم 50 في المائة".
Agender هي منظمة نسوية تضم فنانات فوتوغرافيات في أستراليا، وتعمل على "تصحيح التحيزات اللاواعية التي تمنع المساواة بين الجنسين، كما تسعى إلى إنشاء مسارات فنية للمصوّرات والمُخرجات بجميع مراحل حياتهن الإبداعية".

مزاد علني

في أستراليا أيضاً، وبمبادرة فردية من الفنان التشكيلي ناثان هوكس، أقيم معرض ضم أكثر من 60 فناناً تبرعوا بأعمالهم من خلال مزاد علني، لجهود المساعدات الإنسانية والطبية التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود في فلسطين.
ومن بين الأسماء المشاركة بن كويلتي وهدى أفشار وتوم بولو وعبد الرحمن عبد الله وغاسبر نايت وجود راي.
وصرح ناثان هوكس أن تنظيمه للحدث جاء نتيجة شعور "بالحزن الشديد واليأس عند مشاهدة الفظائع التي تحدث في غزة". وقال كويلتي: "جميعنا في مجتمع الفنون نشعر بما يحدث هناك بقوة، وجميعنا يريد مساعدة الناس في فلسطين".
حملات التبرعات المنتشرة حول العالم كان لها حضور أيضاً في بلد غربي يقع في الشمال، مثل النرويج، إذ نظم المجتمع الفني في مدينة ترونديلاغ حملة تبرعات تحت اسم "الفن من أجل غزة"، عبر منظمة يونيسف لمصلحة أطفال المدينة الفلسطينية المنكوبة.
تبرع قرابة 50 فناناً بأعمالهم للمزاد الذي أقيم في ديسمبر/كانون الأول، بينما نظم المبادرة كل من مؤسسة ترونديمبينالين الفنية، ومركز ترونديلاغ للفن المعاصر، وفناني ترونديلاغ البصريين (TBK)، والجمعية النرويجية للفنون والحرف اليدوية في وسط النرويج (NKM).
وقالت صاحبة الدعوة، الفنانة التشكيلية لاين أندا دالمار، إحدى مؤسسات "ترونديمبينالين": "إنه لأمر إيجابي للغاية أن نرى الفنانين يجتمعون معاً، ويقدمون الدعم لأولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة في غزة في الوقت الحالي".
في حين صرح كارل مارتن روزنكيلد، المدير الإداري لمركز ترونديلاغ للفن المعاصر، أحد الجهات المنظمة للحدث: "أنا معجب للغاية بمدى سرعة تنظيم المجتمع الفني في المدينة لنفسه، لقد اقترب الكثير منا من حدود اللامبالاة بعد مشاهدة هذا الوضع الرهيب، ومع ذلك، يفهم الفنانون أنه حتى لو لم يكن لديك الكثير، يمكنك دائماً المساهمة".
وأضاف روزنكليد أن مزاد "الفن من أجل غزة" هو "تذكير بأنه يجب علينا ألا نتوقف عن الاهتمام، فمن الممكن دائماً أن نُحدث فرقاً".

صور من أجل فلسطين

لم تنقطع تلك الفعاليات الخيرية عن أوروبا طوال الأشهر الماضية، وكان من أبرزها كذلك مبادرة ضمت ما يقرب من 150 مصوراً وفناناً تشكيلياً، تبرعوا بأعمالهم في مزاد لمنظمة المعونة الطبية للفلسطينيين (MAP)، وهي منظمة غير ربحية مقرها المملكة المتحدة، وتقدم الدعم الطبي للمجتمعات الفلسطينية.
من أبرز الأسماء المشاركة في المبادرة الفنية "صور من أجل فلسطين"، سيندي شيرمان وأليك سوث وأدهم فرماوي، وتنوعت الأعمال المشاركة بين صور فوتوغرافية ومناظر طبيعية وأعمال إبداعية أخرى.
في الواجهة من صالة العرض، تُطل لوحة تحت عنوان "ما يلزم لصنع غابة"، للمخرج والمصور المصري المقيم في لندن أدهم فرماوي. تصور اللوحة ثلاثة أفراد، أياديهم مرفوعة، واقفون على قطعة أرض عشبية محاطة بالأشجار.
وعن عمله، قال الفرماوي في مقابلة مع وكالة Hyperallergic: "اخترت هذه الصورة للمشاركة؛ لأنها تشير إلى العلاقة بين السكان الأصليين والأرض، من خلال حضور الأشجار رمزاً للتاريخ وإشارة إلى الأمل في الوفرة".

العمل التالي كان للفنان دين ماجد بعنوان "رقص الأغنام، الظاهرية، الخليل، فلسطين"، وهي صورة لمزرعة في تلال الخليل بالضفة الغربية، حيث يعيش أقارب له.
وقال ماجد: "اخترت هذه الصورة للتوعية بعنف المستوطنين ومحاولات طردهم الفلسطينيين من الضفة الغربية"، مشيراً إلى أن المزارعين في تلال الخليل هم الأكثر تضرراً.
وتابع ماجد: "إن التعامل مع حياتنا المهنية بطريقة أخلاقية يمكن أن يغير أنظمة القمع، والمشاركة في مبادرات مثل "صور من أجل فلسطين" مهم، ليس لتقديم المساعدات فحسب، ولكن أيضاً لجمع الفنانين معاً للإدلاء ببيان تضامني ورفع الروح المعنوية لأهل غزة".
ومن بين المصورين الآخرين الذين اشتركوا في الفعالية: زينب سديرة، وجنان العاني، وسوزان ميسيلاس، وتينا تيريل، وتوم وود، وقد انتهى المزاد في 6 ديسمبر/كانون الأول، ووجهت حصيلته كلها إلى الجهود الطبية في قطاع غزة.

مثلت مبادرات كهذه، وغيرها دلالة واضحة على حيوية تلك المجتمعات التي استطاعت أن تتصدى لتحالف لا يستهان به بين الحكومات الغربية والمؤسسات الإعلامية الكبرى من أجل التضليل على واقع الإبادة الجماعية في غزة، لتنتصر قطاعات واسعة، في المقدمة منها، حركة فنية نشطة لقيم إنسانية هجرتها الأنظمة الغربية.

المساهمون