ما معايير "برليناله" في منح جوائز؟

28 فبراير 2024
ماتي ديوب: أتستحقّ فعلاً جائزة أولى، أم أنّ الفوز سياسي جندري؟ (أود أندرسن/فرانس برس)
+ الخط -

 

فوز الوثائقي "داهومي"، للسنغالية الفرنسية ماتي دِيوب، بجائزة "الدبّ الذهبي لأفضل فيلم"، في الدورة 74 (15 ـ 25 فبراير/ شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، يُثير رأيين يتناقض أحدهما مع الآخر: ترحيبٌ يستعيد تجربة "برليناله" مع "الفيلم غير الروائي"، كما يُسمّى الوثائقي غالباً، ويعتبر أنّ المهرجان يتجاوز النوع، ولو قليلاً، بحثاً عن "سينما" تليق بها الجائزة، ويقول إنّ "داهومي" نفسه مُثير لاهتمامٍ، لما فيه من تفاصيل فنية ودرامية وسردية وتاريخية، عن استعمار وتحرّر وعلاقات قائمة بين الطرفين. ونفورٌ وسخرية من منحه الجائزة الأولى في مهرجان مُصنَّف فئة أولى، وتذكير بأنّ في المسابقة الرسمية ـ غير المتضمّنة أصلاً ما يُبهِر، سينمائياً على الأقلّ، رغم بعض المقبول والممتع والمشغول بحِرفية مهنية ـ أفلاماً أهمّ، ومنها وثائقيّ آخر بعنوان "معماريّ"، للروسي فكتور كوسّاكوفْسْكي.

هذا يعيد طرح سؤالين، يطرحهما زملاء وزميلات أحياناً: لماذا إدخال الوثائقي في مسابقة رسمية لمهرجان دولي، إلى جانب الروائي، خاصة أنّ في المهرجان نفسه أقساماً تُعنى بالوثائقي؟ ألا يوجد اختلافٌ بين النوعين، صناعة واشتغالاً وتوزيعاً ومشاهدةً وقراءةً؟

وثائقي آخر في المسابقة نفسها، بعنوان Pepe، للدومينيكانيّ نلسون كارلو دي لوس سانتوس أريوس، ينال جائزة "الدبّ الفضي لأفضل إخراج". هذا يعني أنّ تجاوز النوع من أجل السينما غير موفَّق، فـ"معماريّ" أهمّ بصرياً، وأعمق درامياً، وأفضل فنّياً وتقنياً، وأجمل في طرحه (السينمائي والأخلاقي والفنّي) من الفيلمين الفائزين، وأقدر على التأثير في ذات وروح وتفكير، لما فيه من متتاليات سينمائية، تكشف فداحة خرابٍ يعتمل في العالم، جرّاء تنامي العمارة "البشعة"، و"قتل" الطبيعة.

يعاين الفيلمان الوثائقيان الفائزان (أميل إلى وصف "داهومي" بالتقرير التلفزيونيّ، رغم لقطات توحي بالسينما، من دون بلوغها) موضوعين "مهمّين": آثار مسروقة، ومعنى إعادة جزء بسيط منها إلى من يُفترض بهم ـ بهنّ أنْ يكونوا "أصحابها" (داهومي)؛ وسرد حكاية نوع من الحيوانات ينقرض، في عالمٍ يتبدّل إلى الأسوأ (Pepe). لكنّ هذا غير مشغول بحِرفية بصرية يتمتّع بها "معماريّ"، ويُمتّع بها أيضاً.

إذاً، أيكون منح "داهومي" الجائزة الأولى، في مهرجان مُصنَّف فئة أولى، إعلاناً لموقف، سياسي ـ ثقافي ـ جندري، أكثر من كونه حقّاً سينمائياً، والسينما في الفيلم منعدمةٌ، إلى حدّ كبير؟ السؤال غير بريء. تخبّط إدارات مهرجانات "أولى" وغير "أولى" في ارتباكات وخلل ومتاهات، وتعرّض بعضها، كـ"برليناله"، لضغوط من حكومة البلد في مسائل مختلفة، غير خفيّةٍ. اختيار امرأة، الممثلة لوبيتا نْيونْغو (كينيا ـ المكسيك)، لرئاسة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية، غير منفصل عن جهد إدارة "مهرجان برلين" في "تثبيت" موقف متوازن إزاء مسائل حسّاسة، أبرزها الجندرية.

التساؤلات غير حاصلة على إجابات واضحة وصريحة ومؤكَّدة، الآن، وربما غداً أيضاً. لذا، كلّ كلامٍ نقديّ يُحلِّل، وربما يجنح إلى تنظيرٍ في قوله، غير نافع. فالجوائز ممنوحة، والتحليل معقودٌ على كاتبه ـ كاتبته، المعنيّين به وحدهما، فقط.

المساهمون