مالك جودي... انتصار مزيف داخل حصان طروادة

17 أكتوبر 2021
لا مكان للاختباء (فرانس برس)
+ الخط -

نهاية الشهر الماضي، أصدر مالك جودي ألبوماً جديداً يحمل عنوان Troie، وهو العمل الثالث للمغني الجزائري الفرنسي، الذي بدأ رحلته في عالم الموسيقى الفرنسية عام 2005، كعضو في فرقة البوب روك Moon Pallas. إلا أنه اتخذ مساراً مختلفاً عام 2017، عندما أصدر أول ألبوم فردي له بعنوان Un، ليتحول في وقت قياسي إلى واحد من أبرز صنّاع موسيقى البوب الإلكترونية في فرنسا، وليصل مع ألبومه الثاني Temperament إلى ذروة نجاحه، قبل أن تُعطّل جائحة كورونا عجلة الحياة.

ألبوم مالك جودي الجديد، كالكثير من الأعمال الموسيقية التي صدرت العام الماضي، تبدو فيه آثار العزلة الناجمة عن الحجر الصحي واضحة؛ فالإصدار يجعل من الانتظار والترقب موضوعاً له، لكنه انتظار من نوع خاص فيه طابع ملحمي، فعنوانه Troie، التي تعني طروادة، ويشير إلى حكاية الجنود الذين اختبؤوا داخل جسد الحصان العملاق في خطة حربية.

هذه الحكاية، يراها جودي محاكاةً للحالة العامة التي عاشها الكوكب في زمن إنتاج الألبوم؛ فجميعنا اختبأ ضمن الخطة العامة لمحاربة الفيروس. لكن نهاية حكاية حصان طروادة المأساوية توحي بأن جودي أراد من خلال هذه المقاربة السخرية من الواقع، ومن الخطة الحربية التي سرنا وفقها، وذلك ما تعزّزه الموسيقى التي تبدو في الألبوم الجديد أكثر أعماله كآبةً.

حالة الانتظار المرهق تنعكس بشكل واضح في الأغنية الافتتاحية Ou tu es، التي يرد فيها: "دعوني أنتظر.. دعوني أحصل على المزيد من المعلومات. أتمنى أن تتفهم حالة الانتظار التي أعيشها". هذه الحالة ستنكسر سريعاً مع الأغنية الثانية Point sensible، التي يغنيها بالشراكة مع نجمة الراب الفرنسي الجديدة Lala & ce، التي تبدو كرغبة في اختراق العزلة من خلال علاقة جنسية؛ إلا أن الخوف سيبقى ملازماً لجودي، حيث يبدأ في الأغنية الثالثة "2080" بترديد كلمات تعبر عن حالة الأرق التي تلازمه، والتي تزداد في علاقته مع الآخرين، فيقول: "عدني بألا تسقط فقاعة مائية أو هوائية أخرى. دعنا نعبر من دون تلامس ونحن ملثمان، فلا يوجد مكان للاختباء".

في الأغنية التالية، Saatchi، يبدأ جودي بالانتقال من حالة الترقب إلى التقييم، لينتقد ما نجم عن خطط إجراءات السلامة المتبعة من قمع، فيركز بلازمة الأغنية على التعليمات الأولى التي بدأ منها القمع: "ابق مكانك ثلاثة أسابيع فقط"، وينتقل منها للتقييم: "الحرية في إجازة، هذا مؤسف حقاً. العواقب تبدو سامّة".

من هذه النقطة، ينتقل جودي بشكل غريب إلى أغانٍ عاطفية يكسر فيها السياق بشكل كلي، ليبدو في أغاني Vertiges وQuelques mots وAdoree قد خرج بنزهة ليرتاح من حالة العزلة التي تقيده؛ ليعطي الألبوم بهذه الأغاني بعض الحيوية التي ميّزت ألبومه السابق. لكن جودي سيعود سريعاً إلى حالة الكآبة ذاتها مع أغنية Douleur، التي تبدو تتويجاً مزدوجاً للإرهاق النفسي الذي خلّفه الانتظار غير المجدي، ولحالة الحب التي تبدو وكأنها انتهت، فكلمات الأغنية تبدو أنها تحمل أكثر من معنى، لينتقد الوعود الكاذبة مع استرجاع ذكريات عاطفية، وليوحد بهذه الأغنية مسار الألبوم مجدداً، ويستمر بذات النسق مع الأغنية التالية Danger، التي يقول فيها: "أحياناً العرق يهيمن عليّ والإغراء بداخلي يبلغ ذروته، أنا مستعد لفعل أي شيء. أنا في خطر.. خطر الحب".

لا يغلق جودي الألبوم من دون أن يصنع أغنية على نسق Temperament، التي يفضّلها جمهوره، لتؤدي أغنية Vis la هذا الدور. ربما هي ترسم صورة شعرية عن العودة إلى ما قبل معركة الاختباء الطويلة، لكنها عودة ناقصة، فالأصوات المتعددة تخترق المسار وتشوهه. ومن بعدها، ينهي جودي الألبوم بمسار مغاير مع أغنية Petit heros التي يحول فيها المأساة إلى مجرد حكاية نرويها لطفل صغير، هو بطل أيضاً، فلقد شاركنا الاختباء والانتصار المزيف.

المساهمون