ليس مونديال كرة قدم فقط

15 نوفمبر 2022
تحتضن الدوحة العديد من العروض المسرحية والفنية بالتزامن مع البطولة (فيسبوك)
+ الخط -

يحقّ لقطر، بمن فيها من مواطنين ومقيمين، أن تفخر باستضافة كأس العالم وبما أنجزته من ملاعب وبنية تحتية وحتّى تشريعات تتعلق بحقوق العمال، وبما توفّره من إمكانيات وفعاليات لتحقيق حلم العرب باستضافة أوّل مونديال عالمي في منطقتهم.

وسيكون من المفهوم أن ينتابهم بعض القلق والحيرة والغضب من حملات تستهدف هذا البلد الصغير جغرافياً، ولكن الكبير بطموحاته وإمكانياته وقدرته على تحويل الأحلام إلى وقائع.

تزدحم أجندة الدوحة، هذه الأيام، بفعاليات فنية وثقافية من سوية عالية ترافق استقبال المونديال، وأرى أنّ هذه الأنشطة من معارض ومتاحف جديدة وأمسيات موسيقية وغنائية وأفلام سينمائية وعروض راقصة لا تقلّ روعة وأهمية عن الحدث الأساسي، وهو متابعة اللعبة الأكثر شعبية: كرة القدم.

وسأحاول في هذا المقال ومقالات أخرى أن أصحبكم في جولات لزيارة هذه المتاحف والاستمتاع بصالات العروض والمسارح وقاعات السينما في الدوحة.

شاهدت وفتاي الأصغر زين، ابن التسعة أعوام، ثلاثة عروض مسرحية تنتمي للمسرح الغنائي العالمي، وهي مسرحية "بينوكيو" و"كسارة البندق" و"ساحر أوز"، وأعترف لكم بأنّني استمتعت مثلما استمتع زين وربّما أكثر، لأنّ طفولتي- وأظنّ أنّ طفولتكم أيضاً- افتقدت لمثل هذه الروائع.

جلّ ما أتذكره أنّني شاهدت عروض سيرك متواضع في المرحلة الابتدائية في مدينتي حلب، وظلّ خيالي الفني مقصوراً على "مغامرات سندباد" و"علي بابا والأربعين حرامي" و"افتح يا سمسم" من خلال التلفزيون إلى أن اكتشفت السينما في مراهقتي، حيث كنا نحضر العرض المتواصل، وهو ثلاثة أفلام بتذكرة واحدة.

تعتمد العروض المسرحية الثلاثة على تاريخ فني كبير وشهرة واسعة، وتشترك جميعها بحبكة سحرية وقصة خيالية بالمشاركة بين الموسيقى والغناء والسيرك وصناعة الدمى.

كما أنّ هذه الأعمال جسّدت وما زالت تجسّد على المسارح وفي أفلام سينمائية تختلف بتفصيل هنا أو هناك، ولكنّها لا تستغني عن القصة الأولى لمؤلفيها الأفذاذ.

استوحى ليمان فرانك بوم رواية "ساحر أوز" عام 1910 من القصص الشعبية الأميركية، حيث تجسد مغامرات فتاة تدعى دوروثي في أرض الساحر أوز، ترافقها فزاعة تبحث عن عقل، ورجل صفيح يتوق لقلب مفعم بالحب، وأسدٌ يبحث عن شجاعته المفقودة.

تحوّلت الرواية لفيلم صامت أنتج عام 1910، ولكن العمل عرف المجد والشهرة مع الفيلم الذي أنتج عام 1939، ورشّح لأوسكار أفضل فيلم، وهو يعد اليوم من أكثر الأفلام مشاهدة في التاريخ، كما دخل في سجل ذاكرة العالم لدى "يونسكو".

أحصيت حتّى الآن 9 أفلام تستند إلى هذه الرواية، أوّلها عام 1910 وآخرها عام 2013، بعنوان "أوز العظيم والقوي".

أمّا مسرحية "كسارة البندق" فتأخذ شهرتها من كونها باليه، ألّف موسيقاها الروسي الشهير بيتر تشايكوفسكي عام 1891، وهي مقتبسة عن عمل للأديب الفرنسي ألكسندر دوما الأب، والذي اقتبس بدوره عن قصة للأديب الألماني إرنست هوفمان.

يُعتبر باليه "كسارة البندق" من أكثر الأعمال الموسيقية ارتباطاً بعيد الميلاد، وتقوم قصته على حفلة عيد الميلاد في منزل الفتاة كلارا، حيث يقوم صديق العائلة بتقديم هدية لها على شكل كسارة البندق، ممّا يثير غيرة أخيها فيقوم بكسر الدمية، ليصلحها الصديق. وعندما ينام الجميع تقوم معركة بين الدمى بقيادة كسارة البندق وجيش الفئران، وتنتهي بهزيمة الفئران وتتحوّل كسارة البندق لأمير يراقص كلارا.

ورغم أنّ الباليه تؤديه أفضل الفرق العالمية، ومنها فرقة مسرح البولشوي الروسية، إلّا أنّه وجد طريقه إلى عالم السينما، وأحصيت ثلاثة أفلام تحمل عنوان "كسارة البندق"، وآخرها الفيلم الذي أصدرته "ديزني" عام 2018، بعنوان "كسارة البندق والعوالم الأربعة".

أمّا شخصية بينوكيو الشهيرة فهي دمية خشبية بأنف طويل، تريد أن تكون طفلاً حقيقياً كما يحلم صانعه، وقد صاغ هذه الشخصية الإيطالي كارلو كولودي عام 1880. ومنذ ذلك الحين، جسّدت بينوكيو في مئات المسرحيات وعشرات الأفلام التي أنتجت باسمه.

بدأ الإنتاج السينمائي بفيلم أنتجته "ديزني" عام 1940، ومن ثمّ تولّى التلفزيون الإيطالي إنتاج خمس حلقات عنه عام 1972، قبل أن تصدر القصة في مسلسل من إنتاج كوريا الجنوبية عام 2015، إضافة إلى فيلم أنتج هذا العام من إخراج روبرت زيميكس وبطولة توم هانكس، فضلاً عن فيلم آخر أعلنت "نتفليكس" عن عرضه عشية عيد الميلاد القادم، وهو من إخراج الفائز بالأوسكار غييرمو ديل ترو.

أدّت فرقة واحدة الأعمال الثلاثة التي شاهدنا عروضها على مدى شهر في نهاية كلّ أسبوع، وقد تألقت بأداء معظم ممثليها ولاعبي الخفة والراقصين فيها لولا تكرار بعض الرقصات وألعاب السيرك في العروض الثلاثة، وإن كان ذلك مقروناً بتغيير الأزياء.

بكلّ الأحوال كنت سعيداً أنّني عوضت ما فات طفولتي، وأنّ فتاي زين لن يشعر بمثل هذه الخسارة.

المساهمون