لويس سي. كيه. ومهرجان الحساسيات الذي يحكم العالم

01 ديسمبر 2021
أُلغي سي. كيه. لفترة، واختفى من الفضاءات العامة (Getty)
+ الخط -

ضربت حركة "أنا أيضاً" هوليوود وصناعة الترفيه في العمق، واختفى كثير من الفاعلين فيها بسبب الفضائح التي طاولتهم، والجرائم التي ارتكبها بعضهم، سواء أُدينوا بها، أو لا، خصوصاً أن بعضهم بقي يمارس عمله بسلاسة، كحالة المخرج وودي آلن.

لكن، بسبب شدة الادعاءات وتنوعها، تم تصنيف جميع المتهمين كـ"الشر الأعظم"، سواء اغتصبوا أو تحرشوا بالمئات، أو مارسوا ما يسيء على مستوى ضيق، من دون أي ادعاء قانوني، كما حصل مع الكوميدي لويس سي. كيه.
نتج عن "أنا أيضاً" ما يسمى الحساسية المفرطة لدى "الجميع"، وتفعلت الصوابية السياسية حتى حدودها القصوى. أي كلمة، أو تصرف لم يعجب فئة ما، يعني تحويل صاحبه إلى "أشد الأشرار شراً"، وعنصري، وعنيف، كحالة ديف شابيل، الذي اتهم بأنه معاد للعابرين جنسياً، بسبب النكات التي يلقيها تجاههم. لكن، بالعودة إلى الكوميدي سي. كيه، فوقف العديد من أًصدقائه إلى جانبه، كون ما قام به، لا يصنف تحت "الشر الأعظم"، ولا يستحق أن تطبق عليه استراتيجية "الإلغاء"، والمقصود هنا منعه من العمل والظهور، وحرمانه كلياً من حياته المهنيّة.
أُلغي سي. كيه. لفترة، واختفى من الفضاءات العامة، لكن المعروف أنه ينشر ويوزع ما ينتجه عبر موقعه الخاص، أي يمكن دفع بضع دولارات لمشاهدة أعماله، حتى الجديدة منها، تلك التي أنجزها أثناء فترة "الإلغاء"؛ إذ قام بزيارة مفاجأة إلى أحد نوادي الكوميديا، وألقى العديد من النكات المتنوعة، والتي للأسف سربت لاحقاً وتعرضت للانتقادات الشديدة، واتهم سي. كيه بأنه لا يهتم بما حصل، ولم يُعد النظر في تصرفاته.
نقرأ في العديد من الصحف والمجلات كيف استخدم نقاد سي. كيه. كل نكتة قالها، وأعادوا النظر فيها، واتهموه بمعاداة النساء، والأطفال، والمصابين بالتأخر العقلي، ليظهر الكوميديان مرة أخرى كشرير، بالرغم من أن ما يقوله ليس إلا نكات، بل ومضحكة، كما يتضح من هتافات الجمهور. الإشكالية أن سي. كيه. ما زال يريد العمل، ولا يصح حرمانه من العمل بسبب ما قام به، كونه نال ما يمكن وصفه بـ"العقوبة"، وهذا بالضبط موقف مناصري ثقافة الإلغاء؛ على "الأشرار" أن يختفوا، مهما كانت درجة "الشر" المتهمين بها.
العام الماضي نشر سي. كيه. على موقعه الخاص عرضاً جديداً عنوانه "بصدق" Sincerely، وهو النتاج النهائي للعرض المسرب؛ إذ قام سي. كيه. بحذف الكثير من النكات التي تسربت، وأعاد النظر في بعضها ، واستخدم كل النكات التي عرفها تاريخ الكوميديا، كسر كل التابوهات، ألقى نكات "الأطفال الموتى"، ونكات حول أصحاب التأخر العقلي، ونكات جنسية، وأخرى عن سفاح القربى... كل المواضيع التي تثير الحساسية وغضب المفرطين في صوابيتهم، وانتهى بالحديث عما حصل معه، والنصيحة التي يستطيع هو وحده تقديمها، تلك التي تتعلق بالممارسات الغريبة والفاحشة.

خرج فجأة من مجاهل الإلغاء، إذ تم ترشيح عرضه إلى جائزة الإيمي

لكن، المثير للاهتمام، أن سي. كيه. خرج فجأة من مجاهل الإلغاء، إذ تم ترشيح العرض السابق إلى جائزة الإيمي، التي صرح مديرها مدافعاً بقوله إن الترشيح ليس فقط لـ لويس سي. كيه، بل أيضاً مارلين مانسون، مشيراً إلى أن المؤسسة لا تتدخل بالتاريخ الشخصي لمن يرسلون ترشيحاتهم، إذ لا يمكن منعهم، وأضاف أن مؤسسة الإيمي صاحبة قرار فيما يحدث على الخشبة وفي الصالة وعلى البساط الأحمر، ولا تتدخل بالتاريخ الشخصي لمن يقدم ترشيحه ولا تأخذ بعين الاعتبار سجله الإجرامي. والأهم، الترشيح لا يعني الدعوة إلى حفل توزيع الجوائز.
اشتعل الغضب بسبب هذه الترشيحات، وبدأت الهجمات المتعددة على الجائزة وعلى المرشحين، لتبدو مؤسسة الإيمي كمن يدّعي الطهرانيّة الفنيّة، كونها تحاكم العمل المقدم بناء على قوانينها الخاصة المرتبطة بمضمونه، لا على أساس تاريخ المُرشح أو الرأي العام.
يمكن القول إننا أمام بداية جديدة ربما، أو محاولة لإعادة النظر في ثنائية "شرير" و"خيّر"؛ فمن أخطأ لا يستحق الإلغاء، خصوصاً إن نال عقوبته، ما يعني إعادة النظر في "طيف الشر"، لوضع خطوط واضحة بين "المجرمين" وبين "غريبي الأطوار"، أو من أخطؤوا مرة.

في ذات الوقت، لا يمكن تهديد العمل الفني والإبداعي وإلغاء صاحبه إن "قال" على الخشبة ما يجرح المشاعر. فالانصياع لمهرجان الحساسيات الذي يحكم العالم الآن يعني حرفياً البقاء بلا عمل، فالكل مفرط في حساسيته، وقادر على جمع الأصوات خلفه، إذ لم تعد النكتة حالياً مجرد ضحك عابر أو انتقاد سياسي، بل حسب البعض، عنفاً يجر عنفاً قد ينتهي بالقتل، وهذا بالضبط ما يشرحه دايفيد شابيل المرشح أيضاً في آخر عرض كوميدي له، النكتة لا تؤذي، بل أولئك المفرطين في جديتهم هم من يسببون الأذى.

المساهمون