ليس سراً أنّ المساحات التي نعيش فيها تؤثّر على الطريقة التي نشعر بها. أسلوب تصميم وتخطيط المنزل من أجل الشعور بالرفاهية وتأثيره على صحتنا النفسيّة فكرة راسخة ويُبحث فيها علمياً بشكل مستمر. علم النفس البيئي، أي دراسة علاقة الإنسان مع محيطه البيئي، لم يُعترَف به كمجال أكاديمي مستقلّ حتّى أواخر الستينيات، ويعتبر المجال أكثر حداثة إذا أخذنا التصميم الداخلي للمنازل بعين الاعتبار.
وقال جان وايتهيد، المحاضر في كيفية إنجاز التصاميم الداخلية للمنازل في جامعة فالموث في بريطانيا، لـ "بي بي سي": "إنّ فكرة تحسين الرعاية النفسية الصحية من خلال التصاميم الداخلية للمنازل قد نمت بشكل أكبر، ولكنها الآن امتدت إلى أماكن الضيافة والترفيه". ولاحظ وايتهيد أنّ اهتمامنا الجماعي بالرفاه قد تسارع في فترة وباء كوفيد-19.
وكان لافتًا أن يظهر استطلاع للرأي أنّ الأوروبيين يقضون نحو 90 في المائة من وقتهم داخل المنازل. وخلال فترة الوباء صارت كلمة "في الداخل" تعني بالنسبة لمعظمنا "في المنزل". ونتيجة لذلك، بدأ موقف جديد أكثر استدامة حول التصميم الداخلي للمنازل يترسّخ، ويتمحور حول الفردية واليقظة والرفاه الذاتي.
بالنسبة لكل من مونيكا خيمسوروف وجيل سينغر، مؤسّستي مجلة التصميم على الإنترنت Sight Unseen، فقد جلب الوباء تقديراً جديداً للأشياء الصغيرة التي لا تُعد ولا تُحصى التي جمعناها عبر السنين. وقالت خيمسوروف: "كنا نجلس في المنازل، وكانت أغراضنا توفّر لنا الراحة، وكنا نشعر بوحدة أقل". وأشارت إلى أنّ ما نضعه في المنزل يمكن أن يتشرب بسهولة بالذكريات والمعاني، سواء أكان شيئاً صنعه لك صديق، أم شيئاً اشتريته أثناء سفرك في الخارج. هذه الأشياء تسمح لنا باستعادة اللحظات، والشعور بالقرب من الأحبة. وقالت سينغر: "بالنسبة لجماليات الشيء، فإننا نميل أن نكون محايدين تماماً. بيت القصيد هو بناء منزل يتمركز حول شخصيتك".
كيف تحيط نفسك بالأشياء الثمينة بالطبع لغزٌ عندما يتعلّق الأمر بإنشاء مساحة شخصيّة تجعلنا نشعر بالرضا. ليندسي تي غراهام، أخصائيّة علم النفس الاجتماعي، قالت: "يجب اتخاذ موقف حدسي منذ البداية. اذهب إلى فضائك الشخصي، وحاول فهم ما تشعر به حالياً. لا تفرط في التفكير، اسأل نفسك: هل أشعر بالتوتر؟ هل أنا سعيد؟ خذ خطوة إلى الوراء، وفكر في ما تريد أن تشعر به، وبعدها ستلاحظ عدم التوافق بين شعورك الحالي وما تريد أن تشعر به، وقم بخلق بيئة في منزلك تدعم هذا التحوُّل".
انطلاقاً من هذه الفكرة، فإنّ اختيار الأدوات المناسبة يجب أن يحقق الأثر النفسي المطلوب. عنصر واحد يكتسب أهمية خاصّة وهو الإضاءة. قالت غراهام: "يمكن للإضاءة أن تغيّر المكان على الفور، كما أنّ هنالك الكثير من الأبحاث حول تأثير الإضاءة على الساعة البيولوجية لدينا، وكيف توثّر على صحّتنا العقلية والجسدية".
بعض الأبحاث تركّز على استخدام أضواء من ألوان مختلفة من أجل حالات مزاجية مختلفة. وقالت عالمة النفس البيئية، سالي أوغستين، لـ"بي بي سي": "إذا كنت تحاول خلق جو هادئ حيث يستمتع الناس بقضاء الوقت معاً كمجموعة، فأنت تريد ضوءًا أكثر دفئًا ونعومة. وإذا كنتَ تريد التركيز فأنتَ تريد ضوءاً أكثر برودة وشدّة". الضوء الدافئ يفضّل أن ينبعث من مستوى أدنى، من سطح الطاولة أو من المصابيح الأرضية. أما الضوء البارد فيجب أن يركّب على السقف أو من مآخذ الإضاءة العلوية.
ولفتت غراهام إلى وجود طرق عدة لإضفاء الهدوء إلى المنزل. وهنا يجب "إدخال الطبيعة إلى المعادلة". النباتات خيار ممتاز لتحقيق هذا المسعى، خصوصاً ذات الأوراق المنحنية الخضراء. كما أنّ اعتماد الخشب المعتّق غير المطلي يمكن أن يساعدنا في إبقاء مستويات التوتُّر لدينا تحت السيطرة.
هنالك الكثير من الطرق من أجل الاستفادة من سيكولوجية الفضاء. وأكدت أوغستين أنّ اللون مهم جداً. للألوان الفاتحة، كالأخضر المشبع بالأبيض، تأثير مهدئ. أما الألوان الدافئة فإنها تزيد شهيتنا، وتجعل الناس يبدون أكثر ودية تجاه بعضهم البعض. الغاية ليست أن نتعامل مع منازلنا كمتاحف، بل خلق مساحات نستطيع الارتباط بها أكثر، مع تحقيق مزيد من الرضا.