"لغزٌ يُخرج السكاكين": تشويق عادي ومُسلٍّ

06 يناير 2023
المحقّق بونوا بلان (دانيال كريغ): لغزٌ يُخرج السكاكين (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

الغموض والمكان الواحد والزمن، الذي يكاد يكون يوماً أو أكثر بقليل، تسم كلّها "البصل الزجاجي (Glass Onion): لغزٌ يُخرج السكاكين" (2022)، للأميركي رِيان جونسون (المنصّة الأميركية "نتفليكس"). جريمة قتل، أو إيهام آخرين/أخريات بأنّ جريمة قتل ستحصل، دافعٌ إلى إشاعة غموضٍ يترافق والإحساس بأنّ لغزاً يتحكّم بأناس ولحظة وحالة، يتبدّدان (الغموض واللغز) تدريجياً مع مسار تحقيقٍ، ينفّذه المحقّق بونوا بلان (دانيال كريغ) في فيلا كبيرة، ذات هندسةٍ غير خالية كلّياً من غرائبية المعمار، يملكها مايلز برون (إدوارد نورتون).

المال ليس سبباً لقتلٍ، يحصل قبل لقاء أناسٍ في جزيرة يونانية، تلبية لدعوة برون نفسه. هناك طموح وتشاوف وطمع، تلتقي كلّها في ذاتٍ فردية، فتكون النتائج كارثيّة، أولاً على الآخرين، ضحايا طموح فردٍ وتشاوفه وطمعه، وعليه هو نفسه (أحياناً). والآخرون غير منزّهين، أصلاً، عن طموحٍ وتشاوف وطمع، وإنْ بأشكال مختلفة.

ما يحدث في "لغز يُخرج السكاكين" (ترجمة غير حرفية لـA Knives Out Mystery) يبدو، لوهلةٍ، عادياً للغاية: ثريٌ يدعو "أصدقاء/صديقات" إلى جزيرته، لتمضية إجازة يعتادونها سنوياً، مع "تنبيهٍ" إلى أنّ جريمة قتل ستحصل، وأنّ الضحية ستكون الداعي إلى الإجازة. لكلّ شخصيةٍ عالمها المهنيّ والحياتي والنفسي. يظهر هذا كلّه في بداياتٍ متتالية، ذات توليف سريع (بوب دُكْساي)، يُعلن مسائل كثيرة عن كلّ شخصية من الشخصيات المدعوة إلى الإجازة، إذْ تُقدَّم كلّ شخصية في عالمها، قبل أنْ يتواصلوا معاً، بعد استلام كلّ واحدٍ منهم ـ في 13 مايو/أيار 2020، أي في ذروة تفشّي وباء كورونا ـ صندوقاً غريباً، للتداول فيما بينهم بخصوص كيفية فتحه، وهذا يحصل، والنتيجة لعبةٌ، تحتاج إلى ذكاء لفكّ طلاسمها، وتطول لثوانٍ، قبل معرفة السرّ/اللغز.

في فيلم رِيان جونسون، هناك قتلٌ، يُتيح تحقيقاً "مُعمّقاً" في الجريمة بحدّ ذاتها، وفي الوقت نفسه يُعرّي (التحقيق) نفوساً وعلاقاتٍ وانفعالات، بجدّية درامية وجمالية، من دون فقدان بعض السخرية المُضحكة، المتأتية من شخصيةٍ أو دورٍ أو نبرةٍ أو سلوك. ثقل الجريمة، والسابق عليها والمؤدّي إليها، يتداخل مع أسئلةٍ عن الحب والخيانة والعشق والعلاقات والمال والرغبات والقهر والصداقة والطموح والسرقة، وعن النفس البشرية والأنانية والخوف والخضوع لسلطة الأقوى.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

الطموح، المترافق والطمع، سببٌ لانفصال بين الثنائيّ هِلن بْراند (جانِلّ موناو) ومايلز برون، الذي يحتال عليها بسرقته مشروعاً تضع هي أسسه، وينسبه إليه. في ذاك التاريخ، يدعو مايلز أصدقاؤه الـ5 (أحدهم يُلبّي الدعوة رفقة عشيقته، التي لها مع مايلز علاقة ما) إلى الإجازة الصيفية السنوية، في جزيرته اليونانية. هِلن تُلبّي الدعوة (لاحقاً، يُكتَشف سرّ/لغز هِلن)، والمحقِّق بونوا بلان يُثير ريبة مُبطّنة في ذات مايلز، لأنّه (المحقِّق) غير مدعو. تفاصيل كثيرة، يتخلّلها كلامٌ عن مسائل حياتية تمسّ جوهر الكائن البشري وعلاقاته وانفعالاته وهواجسه، تنكشف تدريجياً، في أسلوبٍ يمزج تشويقاً بوليسياً، بشيءٍ من رعبٍ مخفَّفٍ بفضل حسٍّ ساخر.

القتل غير ظاهرٍ كلّياً. جثّة هنا وأخرى هناك، فقط، مع التباسات شتّى حولهما. المسار الذي يؤدّي إلى كشف الحاصل فعلياً، والمليء بأشياء تطغى على الفعل الجُرميّ أصلاً، يُعرّيان الجميع. النص السينمائي (سيناريو جونسن نفسه) معنيّ بالذات الفردية، وبما فيها من تناقضات وتساؤلات وهواجس وأحلام وأنانيّات، وإنْ يُغلَّف هذا كلّه بمفردات التشويق البوليسي (التحقيق). كلّ شخصية/صديق لمايلز يُعاني مأزقاً، أو يرغب في حاجةٍ، أو يجهد في بحثه عن خلاصٍ مرجوّ من سطوة وقمعٍ يمارسهما مايلز عليه: كلير ديبلاّ (كاثرين هانّ) حاكمة كوناكتيكيت؛ وليونيل توسان (ليسلي أودوم جونيور) العالِم الذي يعمل في مختبرات برون؛ وبيردي جاي (كايت هادْسن) مُصمّمة أزياء مشهورة، ترافقها مساعدتها بَغْ (جيسيكا هَنْويك)؛ وديوك كودي (ديفيد بوتيستا)، المؤثِّر على "تويتش"، رفقة ويسكي (مادلين كلاين)، مساعدته وعشيقته. وطبعاً هِلن.

فيلم مُسلٍّ. فالتحقيق، رغم جدّيته الواضحة، يُتيح للسخرية، المبطّنة غالباً، حضوراً في سياق يتخلّله بعض الإضحاك، المنبثق أصلاً من السخرية نفسها. لكنّ "لغزٌ يُخرج السكاكين" لن يتمادى بالإضحاك، فتفكيك النفس البشرية قاسٍ، وإنْ يكن مُكرَّراً.

المساهمون