لعلّهم "الحصان الأسود"

24 نوفمبر 2022
منتخب المغرب في كأس العالم 1998 (جيرار سيرل/فرانس برس)
+ الخط -

فجأة، أطبق عليّ التفاؤل بمشاركة مميزة للمنتخب المغربي في مونديال قطر 2022. انقلبت توقعاتي رأساً على عقب من متشائم أشد ما يكون التشاؤم، إلى متفائل فور إعلان المدرب وليد الركراكي تشكيلته المونديالية.  
ولأنّ منتخبنا عوّدنا على أنّ الخيبات تكبر كلما علا سقف الانتظارات، فقد حاولت التخلص من هذا التفاؤل/ الفخ. لكنّ كلّ محاولاتي باءت بالفشل. جميع المغاربة يمنّون أنفسهم، قبيل كلّ مونديال، بتكرار إنجاز 1986 عندما فاجأ رفاق بادو الزاكي الجميع بأداء مبهر جعل المغرب أول منتخب عربي وأفريقي يتجاوز دور المجموعات في تاريخ كأس العالم. أليس التفاؤل في هذه الحال واجباً، لعلّ الأماني تتحقق أخيراً بعد عقود من الانتظار؟  
لا مبالغة في القول إنني لم أتفاءل يوماً بمنتخبنا وجاءت النتيجة كما أشتهي، بل إنّ آخر إنجاز كروي بارز للمغرب كان بلوغ نهائي كأس أفريقيا للأمم التي أقيمت في تونس عام 2004، بفضل منتخب توقع الجميع أن يغادر تلك البطولة من أضيق الأبواب.
وحتى عندما جرب المغاربة، في شبه إجماع، التشاؤم وعدم التهليل لأداء منتخبهم أملاً في نتائج أفضل، خلال كأس أفريقيا الأخيرة في الكاميرون، جاءت النتائج، كالعادة، مخيبة بإقصاء مرّ أمام مصر من دور ربع النهائي.  
ثم لماذا يحمّل المنتخب فوق طاقته؟ أليس مجرد المشاركة إنجازاً يستحق أن يحتفى به، خصوصاً أن هذا الظهور هو الثاني على التوالي بعد غياب استمر 20 عاماً.    
يستميت معسكر التفاؤل ويتقوى أكثر. ولا أجد بداً من امتشاق أسلحة من غمد التاريخ، مدعمة بأرقام وإحصائيات منافسينا في المونديال لتطويقه قبل أن يتوسع في زرع بذور خيبة أمل جديدة.  
الحقيقة أنني أتمنى لو امتلكت من الشجاعة ما يكفي للتسليم بهذا التفاؤل بدل كبحه، لكن تاريخ مشاركاتنا ومستوى منافسينا لا يتركان أي مجال لذلك. الجميع يعلم أن القرعة أوقعتنا في مجموعة الموت إلى جانب عملاقين عالميين (كرواتيا وبلجيكا)، وأفضل منتخب في أميركا الشمالية حالياً (كندا). لكن منذ متى تحسم مباريات كرة القدم قبل أن تلعب؟ الملعب هو الفيصل ومنتخب المغرب توجه إلى قطر بأفضل تشكيلة في تاريخه، بإجماع المحللين.
ولماذا لا يكون أسود الأطلس "الحصان الأسود" لهذه البطولة العربية، تماماً كما فعلت كرواتيا نفسها في أولى مشاركاتها المونديالية عام 1998؟ يتساءل معسكر التفاؤل لأباغته بسيل من الدفوعات تبدأ بتعيين المدرب حديثاً ولا تنتهي بعدم جاهزية كثير من لاعبينا.  
تابعت، بوعي، المغرب في مونديالين اثنين فقط كان حصادهما شبه متطابق: أداء ينال الإشادة والاستحسان، ينقذ ماء الوجه ولا ينجو من الإقصاء المبكر. في 1998، بدأ رفاق صلاح الدين بصير بتعادل مع النرويج بالنيران الصديقة، ثم هزيمة قاسية أمام البرازيل، قبل أن ينتفضوا في المباراة الأخيرة ليدكوا شباك اسكتلندا بثلاثية نظيفة لم تنقذهم من الإقصاء. ولم يكن استقبالهم كالأبطال عند عودتهم إلى الرباط كافياً لإزالة غصة ضياع فرصة ذهبية لتكرار إنجاز 1986، على الأقل.
وبعد 20 عاماً، عادت النيران الصديقة لتصدم المغاربة في آخر أنفاس أولى مبارياتهم في مونديال روسيا. بعد كبوة إيران، استجمع "أسود الأطلس" قواهم ليقدموا مباراة بطولية أمام إسبانيا لم تجنبهم الإقصاء ليجدوا أنفسهم في مباراة شكلية أمام البرتغال بعد "خراب مالطا".  
التاريخ والمنطق يفرضان توقع أداء مبهر خلال مباراة واحدة أو اثنتين ثم الإقصاء مع "مرتبة الشرف"، لكن الأمل قائم في نجاح هذه الخطة: لا تفاؤل لعل منتخبنا يحقق إنجازاً يفوق كل التوقعات في أول مونديال على أرض عربية.

المساهمون