أفادت لجنة حماية الصحافيين، ومقرها الولايات المتحدة، بأن الأسابيع العشرة الأولى من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هي "الحرب الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للصحافيين"، مع تسجيل مقتل أكبر عدد من الصحافيين خلال عام واحد في مكان واحد.
وأغلب الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام القتلى جراء الحرب هم من الفلسطينيين، بواقع 61 صحافياً من أصل 68، وفقاً لإحصاءات لجنة حماية الصحافيين التي أشارت إلى أنها "قلقة على وجه التحديد إزاء وجود نمط واضح لاستهداف الصحافيين وأسرهم من الجيش الإسرائيلي".
ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر، 97 صحافياً وصحافية، واعتقل 8 صحافيين بينهم مدير مكتب "العربي الجديد" الزميل ضياء الكحلوت، وأصاب العشرات منهم، "وهذا يدلّ على أن كل من يعمل في حقل الصحافة والإعلام هو في دائرة القتل والاستهداف المتعمد، في إطار سياسة الترهيب والتخويف الفاشلة".
ووثقت نقابة الصحافيين الفلسطينيين فقدان صحافيين اثنين، واستهداف منازل عائلات أكثر من 60 صحافياً، وتدمير مقار نحو 60 مؤسسة ومكتباً صحافياً، وتعطيل عمل 24 إذاعة محلية.
كما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي، الخميس، أن الجيش الإسرائيلي قصف ودمر مقره الرئيسي ومقر شبكة الرأي الإخبارية الفلسطينية التابعة له في مدينة غزة. وجاء في بيان المكتب الإعلامي الحكومي: "ندين ونندد بأشد العبارات قصف وتدمير طائرات الاحتلال الحربية لمقر المكتب الإعلامي الحكومي ولمقر شبكة الرأي الفلسطينية التابعة للمكتب في مدينة غزة". وأضاف: "استهداف مقراتنا الإعلامية يأتي في إطار سياسة الاحتلال الفاشلة بترهيبنا وتخويفنا ومحاولة منعنا من تصدير الموقف الرسمي لوسائل الإعلام المختلفة وفضح جرائم الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني والمدنيين والأطفال والنساء، وهي محاولة فاشلة لطمس الحقيقة".
وطالب المكتب الإعلامي الحكومي "كل الأجسام الإعلامية والاتحادات الصحافية والهيئات الإعلامية والحقوقية والقانونية بإدانة هذه الجرائم المتواصلة بحق الصحافة والإعلام الفلسطيني والتنديد بتكرارها من قبل الاحتلال". كما دعا إلى "الضغط على الاحتلال من أجل وقف هذه الحرب الإجرامية ضد الصحافيين وضد المدنيين والأطفال والنساء في غزة".
كما قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة صحافيين لبنانيين عند حدود البلاد مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهم عصام العبدالله (وكالة رويترز) وفرح عمر وربيع المعماري (قناة الميادين).
وذكرت لجنة حماية الصحافيين أنها ستواصل التحقيق في ظروف مقتل جميع الصحافيين، لافتة إلى أن هذه الجهود في غزة تعطلت بسبب دمار أنحاء واسعة واستشهاد أفراد أسر الصحافيين الذين غالباً ما يمثلون مصادر للمحققين للنظر في كيفية مقتل الصحافيين.
واللجنة منظمة غير ربحية تنادي بحرية الصحافة في أنحاء العالم كافة.
تقييد الصحافيين في غزة
ذكرت اللجنة أن الصحافة في غزة قُيدت بشكل حاد تحت وطأة القصف الإسرائيلي المكثف مع تكرر انقطاع الاتصالات ونقص الأغذية والوقود والمأوى، مضيفة أن صحافيين أجانب لم يتمكنوا من الوصول بشكل مستقل إلى القطاع في أغلب وقت العدوان.
وفي هذا السياق، أفادت شركة الاتصالات الفلسطينية "بالتل"، مساء الخميس، بأن خدمات الاتصالات والإنترنت بدأت بالعودة تدريجياً وسط وجنوب قطاع غزة، بعد انقطاعها للمرة السابعة منذ 7 أكتوبر.
وصباح الأربعاء، انقطعت خدمات الاتصال الثابت والإنترنت والمكالمات الخليوية عن أجزاء واسعة من القطاع، خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية، وفقاً لبيانين صدرا عن شركة الاتصالات الفلسطينية "بالتل" وشركة أوريدو فلسطين.
وشركة الاتصالات الفلسطينية، أكبر مزود لخدمات الاتصالات الخليوية والإنترنت في قطاع غزة، والمقدم الحصري لخدمات الاتصالات الثابتة هناك.
ولم يصدر عن شركة أوريدو فلسطين إفادة حول عودة خدماتها، فيما أعلنت الأربعاء "تكرر انقطاع الخطوط الرئيسية المغذية لشركات الاتصالات والإنترنت مما أدى لتوقف خدماتنا وسط وجنوب القطاع، واستمرارها بشكل جزئي ومحدود شمال القطاع".
ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ناشد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني، إسحاق سدر، مصر لتفعيل خدمة الجوال، وتشغيل محطات الاتصالات القريبة من حدود غزة.
أخطر وضع على الصحافيين
ذكر منسق برنامج لجنة حماية الصحافيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شريف منصور، أن "حرب إسرائيل وغزة هي أخطر وضع نشهده بالنسبة للصحافيين، وتظهر هذه الأرقام ذلك بوضوح". وأضاف منصور: "قتل الجيش الإسرائيلي عدداً من الصحافيين خلال العشرة أسابيع أكثر من أي عدد قتله جيش آخر أو كيان في عام واحد. ومع مقتل كل صحافي، تستعصي الحرب على التوثيق وعلى الفهم بشكل أكبر".
من جهة ثانية، زعم متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن القوات لا تستهدف الصحافيين. أما المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، فقال في مؤتمر صحافي عقب استشهاد مصور "الجزيرة" سامر أبو دقة بقصف إسرائيلي: "لا نملك حتى الآن أي مؤشرات" على أن إسرائيل "تتعمد استهداف الصحافيين الذين يحاولون تغطية هذه الحرب".
لكن الجيش الإسرائيلي أقر سابقاً، عبر رسالة وجهها إلى وكالتي رويترز وفرانس برس، بأنه "لا يستطيع ضمان حماية الصحافيين في غزة"، ثم انتقل إلى التهديد الصريح بقتل الصحافيين الذين يغطون العدوان. وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد دانت، في نوفمبر/ تشرين الثاني، "هذا التحريض"، وذكّرت في الوقت ذاته بأن "استهداف الصحافيين الذين يوثقون النزاع إنما يندرج ضمن جرائم الحرب".
لجنة حماية الصحافيين: إسرائيل لا تحقق في مقتل الصحافيين
في مايو/ أيار الماضي، أصدرت لجنة حماية الصحافيين تقريراً انطلقت فيه من جريمة قتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، لتوثّق مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل 20 صحافياً على الأقل منذ 2001، ووجدت "نمطاً في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمماً للتملص من المسؤولية.
فقد أخفقت إسرائيل في إجراء تحقيقات كاملة بشأن أحداث القتل هذه، ولم تجرِ تحقيقات معمقة إلا عندما يكون الضحية أجنبياً أو موظفاً لدى مؤسسة إعلامية بارزة. وحتى في تلك الحالات، سارت التحقيقات ببطء شديد، واستغرقت أشهراً أو سنوات، وانتهت بتبرئة الأشخاص الذين أطلقوا النيران".
وأشارت اللجنة إلى أنّ التحقيقات في مقتل الصحافيين على يد الجيش الإسرائيلي تتبع تسلسلاً روتينياً، يتضمن تجاهل المسؤولين الإسرائيليين للأدلة وللشهود، وظهورهم خلال التحقيقات لتبرئة الجنود من عمليات القتل. فضلاً عن أنّ هذه التحقيقات تستغرق سنواتٍ، ولا تعرض نتائجها أبداً أمام الرأي العام، إذ يحرص الاحتلال على إبقائها سرية.
ومنذ عام 2014، فتح الجيش الإسرائيلي تحقيقات لتقييم الحقائق في 5 جرائم قتل صحافيين، منهم شيرين أبو عاقلة، وفتح تحقيقاً لتقييم الحقائق في قصف واسع النطاق أدى إلى مقتل ثلاثة صحافيين آخرين خلال العدوان على غزّة عام 2014. لكنّ جماعات حقوق الإنسان في دولة الاحتلال حذرت من غياب الاستقلالية عن هذه التحقيقات وبطئها، إذ يمكن أن تستمر لسنوات، ما يعني إمكانية تلاشي ذكريات الشهود، وإتاحة الفرصة لإخفاء الأدلة، أو لتنسيق إفادات الجنود الخاضعين للتحقيق.
وفي السياق، خلصت تحقيقات أجرتها منظمتا العفو الدولية (أمنستي) وهيومن رايتس ووتش، ووكالة فرانس برس، ووكالة رويترز، إلى أن قذيفة دبابة إسرائيلية قتلت المصور الصحافي اللبناني عصام العبدالله وجرحت آخرين، في 13 أكتوبر، جنوبي لبنان. ودعت المنظمتان الدوليتان إلى التحقيق في "جريمة حرب".