يثار جدل واسع في لبنان، منذ أيام، محوره الأساسي السخرية وحريّة التعبير، كما التحريض الإلكتروني. بدأت القصة عندما بثّت قناة "الجديد"، ضمن برنامج "شو الوضع" الساخر، مقطعاً للكوميدي حسين قاووق، تضمن انتقاداً ساخراً للأحزاب السياسية التقليدية في لبنان ومن ضمنها "حزب الله" الذي سارع مناصروه إلى شنِّ حملةٍ إلكترونية واسعة ضدّه سرعان ما تطوّرت إلى حملة كراهية وتهديد وترهيب.
اتّسعت رقعة الهجوم على قاووق، بعدما عمدت وسائل إعلامية محلية محسوبة على "حزب الله" إلى وضع الفقرة مع "اسكتش" سابق أيضاً في خانة "الانخراط في معركةٍ يشنّها الكوميدي لشيطنة وقولبة بيئة المقاومة".
يظهر قاووق في الفيديو أمام رجل مافيا يطلب منه قتل أشخاصٍ ينتمون إلى أحزاب المنظومة السياسية، فيسأله الرجل كيف قتل الذي ينتمي إلى "حركة أمل"، و"القوات اللبنانية"، و"التيار العوني أي الوطني الحر" و"الشيوعي"، ويصل إلى "تبع الحزب" أي "حزب الله"، فكان جوابه "قوصّت عليه ما تأثر مدرّع كلو سوا، قلت له أنا معك بالمقاومة بس ضدّك بالسياسة فما تأثر، قلتلو الدولار صار 1500 ليرة (سعر الصرف الرسمي) فمات سكتة قلبية".
اليوم السردة طويلة ع حسين قاووق 🥃
— RYAN (@ryan___RK) November 6, 2021
طلع هيدا هو الڤيديو يلي ازعج مناصرين حزب الله ل درجة التهديد والتحريض عليه!! 😂😂
للصراحة هالصبي وحش pic.twitter.com/OgHLu7hQwB
تحوّلت الحملة لاحقاً إلى تحريض على قاووق، ما استدعى ردود أفعالٍ تدافع عن حريّة التعبير والسخرية، كما تسلّط الضوء على التحريض الإعلامي الذي تقوم به وسائل إعلام مقرّبة من "حزب الله" على أي شخص يلفظ اسم الحزب، مهما كان المضمون، ما يرقى إلى حملة ترهيب ممنهجة ضد معارضيه.
تعليقاً على ما حصل، يقول قاووق لـ"العربي الجديد"، "تعرّضت لحملة واسعة بمجرد أن عُرِضَت الحلقة، علماً أن الفقرة تتناول كل الأحزاب اللبنانية بلا استثناء، ومع ذلك توقف مناصرو "حزب الله" عند كلمة الدولار ووضعوها في خانة الإهانة، وارتفعت حدّة الحملة وأصبحت ممنهجة ووصلت إلى التهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما طاولني مقال في جريدة الأخبار".
ويشير قاووق إلى أنه "لم يتلقَّ أي تهديدٍ مباشر، سواء باتصال أو رسالة على هاتفه الخاص بل الحملة تقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها المرة الأولى التي يتعرّض لها لهذا الكمّ من الترهيب والوعيد".
قاووق وهو ممثل كوميدي اشتهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى مسرح "ستاند آب كوميدي" بفقراته الساخرة الجريئة التي تحاكي لسان الكثير من الأشخاص والحزبيين منهم الذين يعجزون عن قوله في العلن، وخصوصاً من يعيشون في مناطق محسوبة حزبياً على طرف سياسي، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنه "مستمرّ بالبرنامج والمحتوى الذي يقدّمه فهو ما يزال عند قناعاته أنه لم يتعرّض لأحد، ولم يقصد أبداً ما تمّ تصويره والإيحاء به ونشره لأخذه إلى مكانٍ آخر، فيظهر وكأنه تنميط على الطائفة الشيعية أو بيئة المقاومة".
ويقول قاووق "أنا كوميدي أؤدي دور شخصيات من محيطي أعيش معها في المقاهي والشوارع والمناطق، وأنا ابن مدينة الضاحية في بيروت ولن أخرج منها أبداً".
اللي بيحضر برنامج حسين قاووق بشوف إنو تمسخر ع بيئة الشيعية والبيئية المسيحية، واتمسخر ع حزب الله وأمل والمستقبل والعونية والشيوعيين. لما يتاخد جزء من النقد ويعتبر هجوم على بيئة، بكون النقد مختزل عن قصد، ليلاقي حجة بتكرس المظلومية عند فئة عندها فائض قوة هش لدرجة ما بيتحمل نكتة.
— Ghada Haddad (@GhadaHaddad13) November 6, 2021
بدوره، يلفت منسّق الإعلام في "تجمع نقابة الصحافة البديلة"، الصحافي محمد قليط لـ"العربي الجديد" إلى إنّ "أحزاب المنظومة السياسية واعية ومدركة جداً لتأثير المنشورات ومقاطع الفيديو التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر القنوات التلفزيونية والمسارح، وخصوصاً إذا كان الشخص ضمن طائفة أو بيئة اجتماعية لحزب معين يعتبر بالتالي من الأصوات المعارضة في الداخل، حتى لو كان المنشور عبارة عن مقطع كوميدي ساخر، وهو ما حصل مع حسين قاووق الذي جسّد واقع جزء من البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها حزب الله أو حتى حركة أمل".
ويضيف قليط "أقمتُ وسكنت في الضاحية 29 عاماً، وأكثرية معارفي يتحدثون بطريقة حسين ويتصرّفون كما الشخصية التي أدّاها وهي موجودة في المنطقة، ولكن بعد 17 أكتوبر/تشرين 2019 (الانتفاضة الشعبية) بات هناك خوف من أن أي مادة جذابة للجمهور قد تؤثر عليهم بشكل غير مباشر، ومن هنا يعمدون إلى محاربتها بشتّى الطرق".
ويشير قليط إلى أنّ "هذه الطرق تصل إلى المقالات أيضاً والتقارير التلفزيونية التي تحارب هكذا مواد، وهو ما يتعرّض له أيضاً الصحافيون والناشطون والمعارضون للمنظومة، ولا سيما الذين خرجوا من بيئة الأحزاب وارتفع منسوبه بعد 17 أكتوبر، ليصل إلى حملات التخوين والتهديد والشتم وتحويل كل منتقد وكأنه عميل للسفارات وينفذ أجندة العدو ولو كان المنشور بسيطا جداً".
ويتوقف قليط عند ما تعرّض له شخصياً بسبب منشور بالتزامن مع نيل حكومة حسان دياب (رئيس الوزراء الأسبق) الثقة، يومها كتب عن النائب أسامة سعد ومواقفه عن الفقر والجوع ومعاناة المواطنين، والتي تبين أنها تتلاءم أيضاً مع أسلوب عيشه المتواضع وسيارته العادية وما إلى ذلك، وقارنها مع مواقف نواب أصحاب المواكب الفخمة ويتحدثون في الوقت نفسه عن المظلومية والحرمان.
لا أعرف حسين قاووق ولم أتابعه الا نادرًا من خلال فيديوز يتناقلها الاصدقاء، ولا أعرف ما اذا كان "مهضوم" أو لا لكن ما هو أكيد أنّ معيار "الهضامة" لا يبيح للسارينيين، متحسسي الرقاب، مؤيدي الجريمة المتنقلة وكواتم الصوت، أن يحرّضوا على كوميدي بتهمة "تشويه بيئة المقاومة". كل التضامن.
— Ahmad Issaoui (@IssaouiAhmad) November 6, 2021
ويقول "هذا سبّب لي مشاكل، وتم تخويني وبأني تابع لسفارات أجنبية وأعمل على خرق البيئة الشيعية، وأنال أوامر من جهاتٍ مشبوهة لكتابة منشورات بهدف إحداث بلبلة والتشكيك بمصداقية نواب حركة أمل وحزب الله، وهو ما ارتدّ اجتماعياً عليّ وبين محيطي من جيران وأصحاب محال تجارية يدلّون عليّ بأنّي الشخص الذي انتقد الحزب والمقاومة، فتتطوّر الأمور عندهم بأنني خائن وأعمل مع العدو والأميركيين، وهذا أحد الأسباب التي دفعتني للخروج والسكن خارج الضاحية".
ويلفت قليط إلى أن "ما حصل مع قاووق ويتعرّض له الكثيرون قد يدفعهم عند اشتداده إلى ترك المنطقة والخروج منها، ولا سيما بعدما تصل الأمور إلى حدّ التهديد بالسحل من مناطق أخرى أو إلى التخفيف من المحتوى الذي يقدّمونه".
تجدر الإشارة إلى أنّ مناصري "حزب الله" على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً "تويتر"، يشنّون حملات تخوين وترهيب للمعارضين السياسيين، ما يصل إلى تهديدات بالقتل في بعض الأحيان، وهو ما تعرّض له بشكلٍ مكثّف صحافيون لبنانيون في العامين الأخيرين.