لا يمكن لمن يمشي في شوارع العاصمة الدنماركيّة، كوبنهاغن، خصوصاً أحياءها القليلة المزدحمة، ذات الشوارع العريضة والواسعة، إلا أن يلاحظ أعلام فلسطين المنتشرة في كل مكان، سواء كنا نتحدث عن تلك الأعلام الصغيرة التي تتدلى من شرفات المنازل، أو تلك الكبيرة التي نراها على واجهات المحلات.
الجدران المليئة بالغرافيتي، لا تخفي اللافتات المنتشرة في كل مكان، خصوصاً في شارع نوربرو، المعروف بوجود جالية عربية فيه، إذ لا يمكن للعين أن تغفل عن منشورات تدعو للمقاطعة وأخرى نقرأ عليها بوضوح ومن دون مواربة "فلسطين حرّة"، ليتحول الشارع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تاريخ بدء عدوان إسرائيل الوحشي على قطاع غزّة، إلى مساحة واضحة تنتصر للحق الفلسطينيّ.
شهدت العاصمة كوبنهاغن، أكبر مظاهرة في تاريخ الدنمارك، تنتصر لفلسطين. وقد تجاهلت وسائل الإعلام الكبرى هذه التحركات الشعبية، ولم تصدر الدولة أرقاماً رسميّة، أو حتى تقديرية، عن أولئك الذين شغلوا الشوارع، واحتشدوا هاتفين "كوبنهاغن تقول لا للإبادة الجماعيّة"، في حين تشير مصادر شعبية إلى أن أعداد المحتشدين وصلت إلى 50 ألفاً.
يأتي هذا الشكل من الاحتجاج الذي يمكن وصفه بـ"الشامل"، رداً على الدعم غير المشروط الذي قدمته رئيسة الوزراء ميتي فريديريكسن لإسرائيل. واللافت أيضاً للمتجول في شوارع العاصمة الدنماركية، هو غياب صور الرهائن الإسرائيليين في الشوارع، بعكس مدن كبرى أخرى كباريس ونيويورك.
ساحة فلسطين
قبل السابع من أكتوبر، كانت بلدية كوبنهاغن تناقش، نتيجة ضغوط من قبل لجان الأحياء المحليّة كنوربرو، مقترح إطلاق اسم "ساحة فلسطين" على مساحة تقع مقابل الساحة الحمراء أو Superkilen التي افتتحت عام 2012. خطوة كان يُنظر لها كاحتفاء بالتنوع والاختلاف في العاصمة الدنماركيّة. المفارقة أن كوبنهاغن نفسها، تحتضن ساحة إسرائيل، التي أطلق عليه هذا الاسم عام 1968، احتفاء بمرور 25 عاماً على انتهاء مطاردة اليهود في الدنمارك، وبعد عام من نكسة 1967.
رفضت البلدية تسمية الساحة بفلسطين عام 2021، واستمر الجدل حتى عام 2023 حين كان من المقرر أن تعيد البلدية النظر في قرار التسميّة، لكن في التاسع من أكتوبر، بعد يومين من عملية طوفان الأقصى، قررت البلديّة تأجيل قرار التصويت إلى وقت غير محدد.
يذكر أن الساحة تحوي عملا فنيا باسم "قلب نروبرو"، كتبت عليه عبارة "نريد أن نحيا سوية" بلغات عدة. وهنا تحديداً يأتي دور "كونست برايد ــ مسيرة الفن". وقد دعا منظمو المسيرة في بيان إلى "الوحدة بين الفنانين والكتاب... نظراً إلى أنّ الدنمارك ترفض استخدام لفظ "فلسطين في الأوراق الرسميّة... وترفض الاعتراف بدولة فلسطين... وتسمي الفلسطينيين غرباء أو من دون وطن".
امتلاك الساحة
من هذا المنطلق، دعت إلى مسيرة فنيّة من أجل "امتلاك" الساحة وترسيخ عرف جديد قائم على مشاركة جماهيريّة لتسمية الساحة باسم "فلسطين"، فالتلكؤ الرسمي حول تسمية الساحة، واختيار مكانها نفسه بوصفه "زيادة معماريّة"، يفعل قدرة الحراك الفنيّ والإجماع الشعبي على الاسم، الذي من المفترض يحدث على المستوى الفنيّ في الـ30 من شهر مارس/آذار تحت اسم "مسيرة فنية للتضامن مع فلسطين".
تسعى مسيرة الفن عبر جمع الفنانين والتعاون مع الفاعلين المحليين على الاستفادة من الزخم الشعبيّ في سبيل ترسيخ موقف سياسي شعبي واضح، ألا وهو أولويّة الحق الفلسطيني، الذي لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه. خصوصاً أن الإعلام الرسمي حسب رأي منظمي مسيرة الفن يتجاهل المسيرات والمظاهرات المناصرة للحق الفلسطيني، في محاولة لتركيز الاهتمام على إسرائيل فقط، لا ضحايا حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من 4 أشهر.