- تحليل "ذا نايشن" يظهر أن التقارير تعتمد على مصادر غير محايدة، وتروج لفكرة عدم رغبة بايدن في إنهاء الحرب بسبب التزامه بأمن إسرائيل والخوف من الانتقادات.
- بعض التقارير تصور الولايات المتحدة كوسيط محايد، بينما الواقع يشير إلى انحيازها لإسرائيل، مع تصريحات متناقضة من البيت الأبيض حول إنهاء الحرب.
لعبت تغطية الإعلام الأميركي دوراً أساسياً في إبعاد الرئيس جو بايدن وإدارته عن مسؤوليتهم المباشرة في استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، بشكل سمح للبيت الأبيض بالنأي بنفسه عن العواقب الأخلاقية والسياسية لدعمه دولة الاحتلال. وبناءً على تحليل لتغطية الصحف الأميركية للعام الأول من العدوان المتواصل على غزة، بيّن تقرير نشره موقع ذا نايشن الأميركي، الاثنين، كيف اعتمد المراسلون على تصريحات من موظفين مجهولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية من دون تحقّق، وكيف ضخّمت الصحف تأثير الخلاف الشخصي المزعوم بين بايدن ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وقسّم تقرير "ذا نايشن" المقالات والتقارير عن دور البيت الأبيض في العدوان على غزة إلى ثلاثة أنواع، أوّلها يصور بايدن في مظهر العاجز عن ردع إسرائيل وإيقاف الحرب. أمّا الثاني فيقدمه بصورة الغاضب أو القلق ممّا يجري في غزة، فيما يبدو الرئيس الأميركي في النوع الثالث وسيطاً وطرفاً ثالثاً محايداً في الوقت الذي تلعب فيه إدارته دوراً أساسياً في تأجيج الحرب وتأمين التغطية والدعم لإسرائيل .
وأشار معدو التقرير إلى أنّ إدارة بايدن كانت -وما زالت- قادرة على إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة لو أرادت ذلك، لكنّها في الحقيقة توافق وتدعم الحرب، ولفتوا إلى أنّ جزءاً كبيراً من المقالات التي تشير عناوينها إلى أنّ الرئيس الأميركي عاجز عن إيقاف الحرب تقرّ في سطورها الداخلية أو "نقلاً عن منتقدي الإدارة" بأن بايدن قادرٌ فعلاً على إنهاء الحرب، لكنه ببساطة لا يريد فعل ذلك. ونبّه التقرير إلى أنّ العاملين في البيت الأبيض وموظفيه لديهم أسباب مهنية واجتماعية وسياسية وأخلاقية واضحةً تدفعهم للترويج لفكرة أنّهم لا يتحملون المسؤولية عن الفظائع الإسرائيلية التي ترتكب يومياً في قطاع غزة.
بايدن "العاجز"
حلّل فريق "ذا نايشن" 10 تقارير صدّرت صورة جو بايدن العاجز الذي يدعو إسرائيل لإنهاء حربها من دون جدوى، توزّعت على الشكل التالي: خمسة تقارير من "ذا واشنطن بوست" وثلاثة تقارير من "ذا نيويورك تايمز" إضافةً إلى تقريرين من "بوليتيكو"، صدرت بين الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 والسابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وحملت هذه التقارير عناوين من قبيل "كيف تورط بايدن في صراع غزة بلا نهاية في الأفق"، و"بعد ستة أشهر من حرب غزة، بايدن يواجه حدود النفوذ الأميركي"، و"بايدن يواجه حدود نفوذه على إسرائيل". وبيّن التحليل أن 93% من مصادر هذه التقارير كانت في الحقيقة مسؤولين إسرائيليين أو مساعدين مجهولي الهوية في الإدارة الأميركية أو مؤيدين لبايدن في مراكز الأبحاث. على الرغم من عدم حيادية هذه المصادر، فإن معدي التقارير لم يشكّكوا على الإطلاق في حقيقة صورة الرئيس الأميركي العاجز، رغم اقتباسهم أقوالاً من "منتقدين" أو من "أميركيين عرب ومسلمين" يشيرون إلى حقيقة أنّ بايدن قادر على وقف الإبادة.
وأشار التقرير إلى مقال رأي لروجر كوهين نشرته صحيفة ذا نيويورك تايمز في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي بعنوان: "لماذا لا تستطيع أكبر القوى في العالم وقف حرب في الشرق الأوسط؟". وقال كوهين: "تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ دائم على إسرائيل، خاصة من خلال المساعدات العسكرية التي وقع عليها الرئيس بايدن هذا العام وبلغت 15 مليار دولار. لكن التحالف القوي مع إسرائيل المبني على اعتبارات استراتيجية وسياسية محلية، فضلاً عن القيم المشتركة بين دولتين ديمقراطيتين، يعني أن واشنطن لن تهدد على الأرجح بخفض تدفق الأسلحة، ناهيك عن وقفه".
ورأى "ذا نايشن" أن ذلك يعني أن "بايدن لن يقطع العلاقات مع إسرائيل لأنه يتفق مع ما تفعله، وبالتالي يصير من الضروري التساؤل عن سبب قول العنوان إنّ بايدن لا يستطيع وقف الحرب في الشرق الأوسط، في حين أن كوهين نفسه أوضح أن المسألة ليست أنّ بايدن لا يستطيع (إيقاف الحرب)، بل إنّه لن يفعل".
كذلك، وصف تقرير الموقع الأميركي الباحث في مؤسسة كارنيغي، آرون ديفيد ميلر، بأنّه أبرز المروجين لهذه الصورة "اللامنطقية" للرئيس الأميركي عبر مقالاته التي تصور بايدن على أنه غير قادر على إيقاف إسرائيل حتى لو أراد ذلك. واعترف ميلر في مقال نشرته "فورين بوليسي" مؤخراً أن الرئيس يتمتع بنفوذ واسع، قائلاً: "يمتلك الرئيس العديد من الأدوات في ترسانته، مثل تقييد المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل أو دعم قرار في مجلس الأمن ضد حربها في غزة"، لكنّه يصرّ في الوقت نفسه أنّ بايدن لا يستطيع استعمال أوراق الضغط هذه بسبب "الالتزام العاطفي العميق للرئيس بفكرة أمن شعب إسرائيل الذي صقله عبر عقود، والمشهد السياسي الداخلي، حيث برز الحزب الجمهوري باعتباره حزب إسرائيل التي لا تخطئ، والحاجة إلى اتفاق وقف إطلاق نار توافق عليه إسرائيل وحماس".
ورأى "ذا نايشن" أن حب بايدن لإسرائيل والخوف من الانتقادات الجمهورية في حال ضغطه على إسرائيل يجعلاه غير راغب في إنهاء الحرب. كما اعتبر الموقع الحجة الثالثة كاذبة، خاصةً أن "حماس وافقت على الخطوط العريضة الأساسية لعرض وقف إطلاق النار الأميركي منذ بداية الإبادة فيما كانت إسرائيل هي من تضع العراقيل".
"الرئيس الغاضب"
صوّر النوع الثاني من التقارير الرئيس الأميركي بصورة الغاضب أو القلق للغاية ممّا يجري في غزة، فهو أحياناً منزعج سراً أو منفعل أو يوجه كلمات حادة لنتنياهو، حتى إنه أحياناً يحزن ويتألم على الخسائر بين المدنيين في غزة، بحسب ما تنقله وسائل الإعلام الأميركية.
وحلّل "ذا نايشن" عشرة تقارير تنتمي إلى هذه الفئة، نشرت بين 15 نوفمبر 2023 و8 أغسطس/ آب الماضي، على "سي أن أن"، و"ذا نيويورك تايمز"، و"أكسيوس"، بواقع تقريرين من كل واحدة منها، إضافةً إلى تقرير واحد من كل من "ذا واشنطن بوست" و"بوليتيكو" ووكالة أسوشييتد برس وقناة أن بي سي نيوز. وحملت هذه التقارير عناوين مثل "بايدن ينفد صبره مع نتنياهو" و"كيف يفسر حوار قصير في مكالمة العلاقة المتوترة بين بايدن ونتنياهو؟" و"مقتل زعيم حماس يؤجج التوتر بين بايدن ونتنياهو". بيّن التحليل أن 98% من مصادر هذه المقالات كانت مسؤولين إسرائيليين وموظفين مجهولي الهوية في إدارة بايدن، وأيضاً باحثين مؤيدين للرئيس الأميركي.
وعلى الرغم من أن عشرات المقالات توضح "غضب بايدن وخيبة أمله وقلقه على المدنيين خلف الأبواب المغلقة"، فإن أياً من المراسلين أو الكتاب لم يتساءل عن سبب عدم استخدام رئيس أقوى دولة في العالم نفوذه من "أجل وقف الأمر الذي يسبب له الانزعاج"، بحسب "ذا نايشن"، الذي سخر من صورة الرئيس الغاضب/ الحزين طوال الوقت بشكل غامض.
ولفت معدو التقرير أن باراك رافيد، العضو السابق في الوحدة 8200 الإسرائيلية، والذي كرمه البيت الأبيض مؤخراً عن عمله الصحافي، هو أكثر من روّج لصورة بايدن المتوتر والمهموم في 25 مقالاً مختلفاً نشرها موقع أكسيوس، مستنداً إلى تصريحات من مسؤولين أميركيين مجهولي الهوية في أغلب الأحيان، يؤكدون أن الرئيس "محبط من نتنياهو"، أو "نفد صبره تجاه إسرائيل"، أو يشعر "بالقلق العميق" بسبب الخسائر في الأرواح.
وأشاروا إلى أنّ التقارير حول بايدن الغاضب والقلق غالباً ما تكون مرفقة بمزاعم صريحة أو مبطنة عن قطيعة وشيكة بين الرئيس الأميركي ونتنياهو. فتارةً تقول "ذا واشنطن بوست" إن "بايدن يقترب أكثر من أي وقت مضى من الخلاف مع نتنياهو"، وتارةً يدعي مايكل هيرش في "بوليتيكو" أنّ "جو بايدن غاضب من رئيس الوزراء الإسرائيلي"، فيما يقول بيتر بيكر أنّ بايدن "سئم أخيراً من القيادة الإسرائيلية التي يعتقد أنّها لا تصغي إليه". بطبيعة الحال، لم يتغير شيء على أرض الواقع، وواصل جيش الاحتلال عملياته العسكرية في قطاع غزة من دون أي حدود أو خطوط حمراء.
الطرف الثالث والوسيط
سعت التقارير من النوع الثالث إلى تصوير الولايات المتحدة والرئيس بايدن بأنه طرف ثالث أو وسيط محايد يسعى للوصول إلى حل مع "طرفي الصراع": حركة حماس وإسرائيل، فيما الواقع يقول إنّ الحكومة الأميركية هي طرفٌ أساسي في الصراع منحازٌ إلى جانب إسرائيل.
وحلّل فريق "ذا نايشن" ثمانية تقارير من صحيفة ذا نيويورك تايمز بين مارس/ آذار وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، حملت عناوين مثل "بايدن يعرب عن أمله في محادثات وقف إطلاق النار، لكن حماس تبدو وكأنها ترفض العرض الأخير"، أو "بايدن يسعى لإنهاء الحرب في غزة"، و"بايدن يعمل ضد الزمن مع تصاعد العنف في الشرق الأوسط". تصوّر هذه التقارير الولايات المتحدة لاعباً يسعى بجدية للتوصل إلى وقف إطلاق نار، لكنه ببساطة لا يستطيع أن يجبر إسرائيل و"حماس" على الشروط.
ولفت التقرير إلى أنّ وسائل الإعلام تتجاهل التناقضات التي تحكم مواقف البيت الأبيض وتصريحات موظفي الإدارة الأميركية حول الحرب وحول وقف إطلاق النار. ولفت إلى أن "البيت الأبيض يصدر بشكل روتيني تصريحات متعارضة حول رغبته في إنهاء الحرب، لكنه يقول إنّ حماس لا يمكن أن يكون لها دور في غزة بعد الحرب"، وهو "ما يسمح لإسرائيل بمواصلة القصف والقتل كما تشاء لفترة غير محددة من الزمن". وأضاف أن هذه ليست دعوة إلى وقف إطلاق النار، بل إلى استسلام الفلسطينيين في غزة.
ورأى أن التقارير التي تصوّر بايدن طرفاً ثالثاً تسعى لإظهار إدارته في موقع القوة الإنسانية المجردة من الغايات، والتي تسعى باستمرار لتحقيق السلام، لكنها تحبط من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، بينما تقوم الولايات المتحدة في الواقع بالمساعدة في حصار غزة وقصفها، ويكرّر المسؤولون الأميركيون مطالب إسرائيل باستسلام حماس بشكل كلي، بصفته وقفاً لإطلاق النار.
ودعا معدو التقرير الصحافيين والمحررين في وسائل الإعلام الأميركية إلى التساؤل عن سبب حرص حلفاء بايدن على تعزيز هذه الصورة المحايدة للرئيس الأميركي، كما طالبهم بضرورة أن تركز التغطية على الجانب السياسي من المسألة بدلاً من الاهتمام بالحالات المزاجية والنفسية لبايدن، وخلافاته الشخصية المزعومة مع نتنياهو.