خلال مونديال قطر 2022، في غضون دقائق من صافرة النهاية، يرسل منظمو البطولة إلى كل لاعب تحليلاً تفصيلياً لأدائه، وهذا شكل من أشكال توغل تحليل البيانات في عالم الساحرة المستديرة.
يتمكن المهاجمون من معرفة عدد المرات التي ركضوا فيها أو جرى تجاهلهم. ولدى المدافعين بيانات عن مقدار مضايقتهم للفريق المنافس والاستحواذ على الكرة.
يساعد تحليل البيانات في انتقالات اللاعبين، وكثافة التدريب، واستهداف الخصم، والتوصية بأفضل اتجاه لركل الكرة في أي نقطة على أرض الملعب. ويمكن الآن السترات والأشرطة الذكية القابلة للارتداء أن تستشعر الحركة، وتتبع الموقع باستخدام نظام GPS. تلتقط الكاميرات ذات الزوايا المتعددة ضربات الرأس والمدة التي يحتفظ بها اللاعبون بالكرة.
ولفهم هذه المعلومات، توظف معظم فرق النخبة لكرة القدم الآن محللي البيانات، بمن فيهم علماء الرياضيات وعلماء البيانات وعلماء الفيزياء، الذين تستقطبهم كبرى الشركات والمختبرات مثل "ميكروسوفت" ومختبر فيزياء الجسيمات الأوروبي. تعمل بيانات المحللين على تغيير طريقة لعب الكرة، التي تشهد تحولات تكتيكية مدعومة بدليل يقوي حدس المدرب.
يقول عالِم الرياضة في جامعة الرياضة الألمانية في كولونيا، دانيال مميرت، لمجلة نيتشر: "بشّرت البيانات الضخمة بعصر جديد من كرة القدم. لقد غيّرت فلسفة الفِرَق وسلوكها، وكيف يحلّلون الخصوم وطريقة تطويرهم للمواهب واستكشاف اللاعبين".
توظف معظم الأندية الكبرى والعديد من الفرق الوطنية محللي البيانات منذ أكثر من عقد من الزمان.
واحدة من أفضل الحالات المعروفة لكيفية تغيير البيانات للرياضة تأتي من رياضة مختلفة. في كتابه "كرة المال"، يشرح مايكل لويس، كيف اعتمد مدير أوكلاند لألعاب القوى، بيلي بين، على إحصائيات اللاعبين لصنع فريق بيسبول فائز بميزانية صغيرة في عام 2002.
وجنّد اللاعبين على أساس البيانات التفصيلية لأدائهم، بما في ذلك القياسات التي قُلِّل من قيمتها سابقاً.
ومن الأمثلة نموذج "بواسون المزدوج" الإحصائي، الذي يأخذ بالاعتبار نقاط القوة الهجومية والدفاعية لكل فريق، والذي صنف بلجيكا على أنها صاحبة أعلى احتمالات للفوز بكأس العالم، بينما تتصدر البرازيل تصنيفات الفيفا.
ويعزو العديد من المحللين بعض النجاح الذي حققه نادي برينتفورد إف سي اللندني إلى خوارزمية داخلية تقيّم اللاعبين عبر بطولات الدوري المختلفة، وتساعد الفريق على تجنيد نجوم بأقل من قيمتهم الحقيقية.
وبنى فريق بيانات نادي ليفربول، الذي يضم فيزيائيين من مختبر فيزياء الجسيمات وجامعة كامبريدج، نموذجاً يمكنه تقييم ما إذا كانت تصرفات اللاعب على أرض الملعب تجعل الهدف أكثر ترجيحاً.
وبالشراكة مع العملاق الإسباني إف سي برشلونة، نشر علماء الرياضة في جامعة لشبونة بالبرتغال العام الماضي تحليلاً لمدى استمرار الفرص لأنواع مختلفة من التمريرات في مباراة.
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة إلى المدربين، هو المعلومات المتعلقة بالأحداث على أرض الملعب وكيف أثر اللاعبون فيها.
وظل محللو كرة القدم يسجلون هذا النوع من المعلومات لفترة طويلة، لكن التكنولوجيا الحديثة تسهّل الحصول على مثل هذه البيانات وتحليلها.
ويقول طالب الدكتوراه في جامعة أكسفورد ومطور نموذج يورو 2020، ماثيو بن: "أعتقد أن الشيء الأكثر فائدة الذي نقوم به هو تقارير ما قبل المباراة".
ويوضح: "نحن ننظر إلى سمات اللاعبين للفريق الآخر ثم ننتج بعض الرسوم البيانية لإظهار كيف يلعبون وكيف يتحركون"، و"بعد ذلك سأقترح بعض النصائح أو التغييرات التكتيكية".
وقبل المباراة الأخيرة ضد فريق لم يهزم سابقاً، حدد تحليل بن أن الظهير الأيسر لديه إحصائيات رأسية ضعيفة، و"لذا كان الاقتراح أن يقف مهاجمنا الكبير على الجانب الأيمن من الملعب"، وفاز فريق بن، أكسفورد، بالمباراة.