غزت نظريات المؤامرة والتضليل مواقع التواصل بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا. كان من أبرز الملاحظات حول ذلك، مشاركة نظريات المؤامرة من قبل حسابات رسمية تابعة للكرملين، إذ تمتلك الحكومة الروسية شبكة ضخمة من حسابات "تويتر" الرسمية. في غوصها حول الموضوع، وجدت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أكثر من 100 حساب يروّجها، تتراوح بين الحسابات التي تمثل البعثات الأجنبية أو السفارات، ويتابعها ما بين بضعة آلاف من المتابعين وأكثر من مليون متابع. ولدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين حسابه الخاص، فيما صنّف "تويتر" العديد من الحسابات على أنها حسابات رسمية لمؤسسات حكومية روسية.
تنشر العديد من الحسابات الروسية الحكومية معلومات مضللة، لكن "تويتر" تتعامل معها بشكل مختلف مقارنة بالقيود التي فرضتها على وسائل الإعلام الحكومية الروسية، مثل "آر تي" و"سبوتنيك"، واللتان حظرهما الاتحاد الأوروبي. وفي 28 فبراير/شباط، أعلنت "تويتر" أنها سوف تقيد انتشار تغريدات وسائل الإعلام الروسية، مما يعني أنه لن يتم التوصية بها في الشريط الرئيسي والإشعارات والأماكن الأخرى على "تويتر". وكانت المنصة تضيف عبارة "مرتبط بالحكومة الروسية" أعلى الحسابات التي تنشر محتوى يتهم بأنه بروباغندا للكرملين سابقاً. يصف محلل وسائل التواصل الاجتماعي في مركز أبحاث الوسائط الرقمية QUT في أستراليا، تيم جراهام، هذا بأنه "ثغرة" في سياسات المراجعة في "تويتر"، ما يسمح للحكومة الروسية بضخ المعلومات المضللة.
قرّر غراهام، المتخصص في تحليل النشاط المنسق على وسائل التواصل الاجتماعي، إجراء مزيد من التحقيق على شبكة حسابات الحكومة الروسية. وحلّل 75 بروفايلاً للحكومة الروسية على "تويتر" مجموعها أكثر من 7 ملايين متابع. وقد تلقت الحسابات 30 مليون إعجاب، وأعيد تغريدها 36 مليون مرة، وتم الرد عليها 4 ملايين مرة. ونظر في عدد المرات التي أعاد فيها كل حساب تغريد منشورات واحد من البروفايلات الـ74 في غضون ساعة. واكتشف أن شبكة حسابات "تويتر" التابعة للكرملين تعمل معاً لإعادة التغريد وزيادة عدد الزيارات.
وتسمى هذه الممارسة أحياناً "التسويق الماكر"، أي عندما يستخدم مالكٌ عدة حسابات شخصية لإعادة تغريد المحتوى وتضخيم مدى انتشاره. ويقول غراهام: "إنها شبكة منسقة لإعادة التغريد"، "إذا لم تكن هذه الحسابات تعيد تغريد الأشياء في نفس الوقت، فستكون الشبكة مجرد مجموعة من النقاط غير المتصلة. لذلك ما تظهره الشبكة، بوضوح شديد، هو أن هناك قدراً كثيفاً من التنسيق في الطريقة التي تعيد بها هذه الحسابات التغريد".
يضيف غراهام أنهم "يستخدمون هذا كمحرك للترويج لروايتهم المفضلة على "تويتر"، وهم يفلتون من العقاب". والنشاط المنسق باستخدام حسابات متعددة مخالف لقواعد "تويتر"، إذ تنص قواعدها على أنه "لا يمكن تضخيم المحادثات بشكل مصطنع من خلال استخدام حسابات متعددة".
لكن "تويتر" لا تتعامل مع جميع الحسابات على قدم المساواة. يمكن إعطاء تغريدات من الحكومة والمسؤولين المنتخبين مساحة أكبر أثناء مراجعتها. تقول الشركة على موقعها على الإنترنت إنه قد تكون هناك مصلحة عامة في رؤية التغريدات التي من شأنها أن تنتهك قواعدها. وحذف موقع "تويتر" عدة تغريدات تتضمن ادعاءات "كاذبة" بعد أن أبلغتها هيئة الإذاعة البريطانية. ومع ذلك، هناك العديد من الأمثلة الأخرى على المعلومات المضللة الروسية التي لا تزال موجودة على حسابات "تويتر" للحكومة الروسية.
والمشكلة التي تواجهها "تويتر" هي أن إثبات خطأ المحتوى يمكن أن يكون معقداً في زمن الحرب. يقول محلل مواقع التواصل في جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، سافاس زانيتو، إن الحرب تجعل مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي أكثر صعوبة. ويوضح أن "المراجعة الفعّالة أمر مستحيل... تأتي المعلومات بوتيرة سريعة للغاية، وتأتي من كل مكان".
إضافة إلى ذلك، استثناءات المصلحة العامة الخاصة بـ"تويتر" تعني أن التغريدات من المسؤولين الحكوميين يمكن أن تعامل بشكل مختلف عن الحسابات الأخرى.
في دفاعها، قالت شركة "تويتر" لـ"بي بي سي"، "لقد اتخذنا العديد من الإجراءات تجاه حسابات السفارة الروسية، بما في ذلك المطالبة بإزالة تغريدات". وتابعت أنها سوف تبذل المزيد في الأيام المقبلة للإبلاغ عن الحسابات المرتبطة بالكرملين.
وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالكرملين موجودة أيضاً على "فيسبوك" ومنصات أخرى، لذا فإنّ هذه القضية لا تتعلق بـ"تويتر" فقط.