في موازاة خروج احتجاجات في جميع أنحاء العالم ضد الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت الشبكة الافتراضية ساحةً لجانب آخر من الدعم أو التعارك. فقد جُمعت ملايين الدولارات لأوكرانيا من العملات المشفرة، وانسحبت شركات التكنولوجيا من روسيا. وفي خضم كل ذلك، انضم القراصنة لحملات ضد مصالح موسكو والدفاع عن أوكرانيا.
يوم الإثنين، توقفت الإنترنت في أوكرانيا بسبب هجوم إلكتروني. وقال مسؤولون في الحكومة الأوكرانية وممثلون عن شركة الاتصالات الأوكرانية المملوكة للدولة "أوكرتيليكوم" إنّها شهدت انقطاعاً في خدمة الإنترنت، الإثنين، بعدما تعرضت لهجوم إلكتروني "قوي". وقال المتحدث باسم الشركة ميخائيل شورانوف: "تم صد الهجوم ونستأنف الخدمات تدريجياً".
لكن هذه التأثيرات وهذه المعركة ليست بجديدة. فعلى مدى سنوات، هاجمت روسيا أوكرانيا بمجموعة من الهجمات الإلكترونية المتطفلة والمدمرة. وبدأت الحرب في فبراير/شباط الماضي بحملات روسية لضرب المؤسسات الأوكرانية بهجمات خبيثة وإيقاظ البرامج الضارة لمسح البيانات عن مئات أجهزة الكمبيوتر الأوكرانية.
من جانبها، أطلقت أوكرانيا نفسها عملية حشد لـ"جيش تكنولوجيا المعلومات" المتطوع من المتسللين المدنيين من جميع أنحاء العالم للمساعدة في قتالها، جنباً إلى جنب مع التجنيد الإجباري التقليدي. وخلال هذه الحرب، أصبحت تسريبات بيانات القرصنة الإلكترونية، وتشويه المواقع الإلكترونية، والهجمات الإلكترونية أكثر وضوحاً.
سرّب القراصنة المؤيدون لأوكرانيا ملفات قالوا إنها سُرقت من وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، بينما استهدفت هجمات قطع الوصول إلى جميع عناوين المواقع التي تنتهي بـ .ru. وفي الوقت الذي بدأت فيه روسيا غزوها لأوكرانيا، غردت مجموعة القرصنة الشهيرة "أنونيموس" بأنها "تشارك رسمياً في حرب إلكترونية ضد الحكومة الروسية".
وتبنت المجموعة الهجمات التي أعاقت لفترة وجيزة الوصول إلى عدد من المواقع، بما في ذلك وكالة الأنباء الروسية التي تسيطر عليها الدولة، وشركة النفط الروسية العملاقة "غازبروم"، والكرملين نفسه، ووكالات حكومية روسية أخرى.
وسربت مجموعتا قرصنة ما يقرب من 200 غيغابايت من رسائل البريد الإلكتروني المنسوبة إلى شركة تصنيع الأسلحة البيلاروسية "تيترايدر".
وشوّهت مجموعة أخرى مواقع إلكترونية، قائلةً إنها نشرت محتوى مناهضاً للحرب على عدد من المواقع الإخبارية، بما في ذلك موقع صحيفة "كوميرسانت" الروسية والمنابر الحكومية كـ"تاس" و"ريا نوفوستي".
لكنّ نشاط القرصنة سبق الحرب الفعلية على الأرض. فقد هاجمت مجموعة تُعرف باسم "الحزبيين السيبرانيين البيلاروسيين" نظام السكك الحديدية في بيلاروسيا في نهاية يناير/كانون الثاني. وكان الهدف من ذلك إبطاء حشد القوات الروسية على طول الحدود الأوكرانية. وقالت المجموعة بعد ذلك إنها تريد تعطيل الحركة العسكرية الروسية.
في غضون ذلك، أعلنت مجموعات برامج الفدية، بينها "كونتي"، ولاءها لروسيا. بعد فترة وجيزة تسربت أكثر من 60 ألف رسالة داخلية من "كونتي"، إلى جانب رسالة تفضح كيفية تنظيم المجموعة وعملها.
عقب هذا التسريب بدا أن "كونتي" تفكك بنيتها التحتية، وهو دليل على التأثير الذي يمكن أن تحدثه القرصنة الإلكترونية، بغض النظر عمّا إذا كانت هذه الاحتجاجات تشكل بشكل مباشر مسار الحرب.
وأصدر عدد من شركات الأمن والمنظمات الأخرى نسخاً مجانية من أدوات الدفاع الرقمي أو وسعت عروضها المجانية لمساعدة الأوكرانيين في الدفاع عن شبكاتهم. إذ تقول "غوغل" إن خدمة الحماية الأمنية التي تركز على حقوق الإنسان "بروجكت شيلد" هي قيد الاستخدام من قبل أكثر من 150 موقعاً أوكرانياً.
والهاكرز ليسوا الوحيدين الذين يقومون بتسريب البيانات يميناً ويساراً. نشرت صحيفة "برافدا" الأوكرانية مجموعة من البيانات الشخصية التي يُزعم أنها تحدد ما يقرب من 120 ألف جندي روسي منتشرين في أوكرانيا.
يحذّر باحثون من أضرار للقرصنة تفوق منافعها
ويعمل جيش تكنولوجيا المعلومات في أوكرانيا على توظيف بعض تقنيات القرصنة بطريقة أكثر تنظيماً واستراتيجية. وقال أحد المشاركين في "جيش تكنولوجيا المعلومات" لـ"وايرد": "كل شيء جيد. نود أن نكون أكثر دقة، ونختار أهدافنا بعناية ونتجنب أي أضرار جانبية لسبل العيش ورفاهية المواطنين الروس. يتمثل شاغلنا الأساسي في مواجهة التضليل الروسي بشأن النزاع، بأي وسيلة ممكنة، وتوفير معلومات استخبارية عالية الجودة ومفتوحة المصدر في محاولة للحفاظ على حياة الأوكرانيين".
نقل موقع "وايرد" عن الباحث المستقل في مجال الأمن السيبراني، لوكاس أوليجنيك، "إنه نزاع مسلح شديد الكثافة بين دولتين بهما حرب وحركية شديدة وخسائر في صفوف المدنيين ودمار مادي". وأضاف: "لنكن صادقين هنا، ما الذي يمكن أن تغيره القرصنة في هذه الصورة؟ إلى جانب ذلك، لا يمكن التحقق من معظم تقارير الاختراق في أحسن الأحوال. تضخمها وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الإلكترونية التقليدية بشكل كبير، ولكن ما هو التأثير الفعلي؟".
وفي وضع مثل غزو أوكرانيا، يمكن أن تضر القرصنة أكثر مما تنفع. يشير بعض الباحثين إلى أن أسوأ سيناريو للقرصنة قد يكون حادثاً أو سلسلة من الهجمات التي تؤدي عن غير قصد إلى تصعيد النزاع أو استخدامها كذريعة للتصعيد من جانب واحد أو آخر.