كيف استهدف الاحتلال فريق التلفزيون العربي في الضفة؟

05 يوليو 2024
مراسل التلفزيون العربي عميد شحادة (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تحقيق "فوربيدن ستوريز":** وثّق تحقيق دولي استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمراسلي التلفزيون العربي عميد شحادة وربيع المنير في مايو، ضمن مشروع "غزة بروجكت" الذي شارك فيه 50 صحافياً من 13 وسيلة إعلامية.

- **استمرار العنف ضد الصحافيين الفلسطينيين:** منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر، استشهد أكثر من 140 صحافياً، وتم تدمير مقراتهم واستهداف عائلاتهم، مع تسجيل 80 حالة اعتقال خلال الأشهر التسعة الماضية.

- **تحليل الأدلة وتأكيد الاستهداف المتعمد:** أطلق الجنود الإسرائيليون ثلاث رصاصات على فريق التلفزيون العربي، مما أدى إلى إصابة الكاميرا. تحليل الفيديو والصوتيات أكد الاستهداف المتعمد، لكن الجيش الإسرائيلي رفض الرد على نتائج التحقيق.

وثّق تحقيق لشبكة فوربيدن ستوريز إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي النار على مراسل التلفزيون العربي عميد شحادة وزميله المصور ربيع المنير، خلال تغطيتهما عملية عسكرية في الضفة الغربية في 4 مايو/ أيّار الماضي، في دليلٍ جديدٍ على تعمّد قوّات الاحتلال استهداف الصحافيين الفلسطينيين. 

ونشر التحقيق في أواخر يونيو/ حزيران الماضي ضمن مشروع "غزة بروجكت" الذي قادته شبكة فوربيدن ستوريز الدولية المتخصّصة في التحقيقات، وشارك فيه 50 صحافياً من 13 وسيلة إعلامية مختلفة حول العالم. انطلق المشاركون من سؤال: "هل الصحافيون أضرار جانبية أم أهداف للجيش الإسرائيلي؟"، ليدرسوا على مدار أربعة أشهر حالات الصحافيين الذين استشهدوا أو استهدفوا خلال تغطيتهم الاعتداءات الإسرائيلية في غزّة والضفة الغربية. 

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتعمّد قوات الاحتلال ملاحقة الصحافيين وترهيبهم بالقصف وإطلاق النار والحبس. استشهد في القطاع حتى الآن أكثر من 140 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام، كذلك قصفت بيوتهم واستهدفت عائلاتهم، ودمّرت مقرات ومكاتب المؤسسات الإعلامية والدولية. كذلك، كشف نادي الأسير الفلسطيني عن تسجيل 80 حالة اعتقال في صفوف الصحافيين والصحافيات الفلسطينيات خلال الأشهر التسعة الماضية.
حتى في الفترة السابقة على حرب الإبادة، كان استهداف قوات الاحتلال للصحافيين الفلسطينيين أمراً متكرراً، ولعلّ أبرز حادثة في السنوات الماضية، كانت اغتيال مراسلة قناة الجزيرة القطرية شيرين أبو عاقلة في مايو/ أيّار 2022، خلال تغطيتها اقتحاماً عسكرياً في مخيم جنين. 

مع ذلك، لم يقرّ جيش الاحتلال يوماً بمسؤوليته عن العنف الذي يطاول الصحافيين، واعتاد الناطقون باسمه نفي الاتهامات واعتبارها "باطلة ومنحازة"، حتى في الحالات الموثّقة بالأدلة والصور والتحليل.

في مشروع "غزة بروجكت" حلّل الصحافيون آلاف الساعات من الصور والأصوات والفيديوهات، وحقّقوا في عشرات الحالات التي استشهد فيها صحافيون برصاص الاحتلال، لكن المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي أصرّ على أن قواته "لا تتعمّد إيذاء الصحافيين الذين ربما أُصيبوا في أثناء غارات جوية أو عمليات تطاول أهدافاً عسكرية".

مراسل التلفزيون العربي تحت النار

في 4 مايو الماضي، خلال تغطية فريق التلفزيون العربي اقتحام قوات الاحتلال بلدة دير الغصون، شماليّ طولكرم في الضفة الغربية، أطلق الجنود الإسرائيليون ثلاث رصاصات باتجاههم، ما أدى إلى إصابة الكاميرا برصاصتين، على بعد نصف متر من المراسل عميد شحادة و30 سنتيمتراً من المصور ربيع المنير، بحسب "فوربيدن ستوريز".

كان الجنود يعلمون مسبقاً بوجود شحادة والمنير على تلة تبعد 290 متراً عن أقرب نقطة قتال، بحسب ستة صحافيين كانوا في الموقع. كذلك كانت الهوية الصحافية لفريق التلفزيون العربي واضحة من خلال السترات الواقية والخوذات ومعدات العمل من كاميرا وميكروفون. لم يغير الثنائي موقعهما منذ وصولهما في الثامنة صباحاً، وحتى لحظة إطلاق النار التي وقعت في العاشرة والنصف صباحاً.

لكنّ ذلك لم يثر استغراب عميد شحادة الذي قال لمعدي التقرير إنّ الرصاصات كانت "رسالة موجهة" له ولزميله. أضاف: "نشعر نحن المراسلين في الضفة الغربية، اليوم أكثر من أي وقت آخر، بأن أيّاً منا قد يذهب في أي وقت لإعداد تقرير، بلا عودة".

جمع فريق "فوربيدن ستوريز" معلومات ولقطات من مصادر مفتوحة، بيّنت أنّ الصحافيين كانا واضحين لجنود الاحتلال، الموجودين في ثلاث سيارات تبعد 60 متراً عن شحادة والمنير. وهو الأمر الذي أكّدته مراجعة البثّ الحيّ للتلفزيون العربي في 4 مايو الماضي، من الساعة 8:20 وحتّى إعلان الحادث في الساعة 10:43 صباحاً.
كانت الكاميرا تعمل خلال إطلاق النار الذي بدأ في العاشرة والنصف صباحاً، وسجلت محادثة الصحافيين وصوت الرصاص. اخترقت رصاصة سلك الكاميرا، فانقطعت إشارة البث المباشر، وضربت أخرى الكاميرا نفسها، فتوقفت عن العمل.

تحليل الفيديو

في البداية اعتقد شحادة أن الجنود المتمركزين حول البيت المستهدف هم الذين أطلقوا النار، لكنّه رجح لاحقاً أن تكون الآليات الثلاث المتمركزة في الموقع مصدر الرصاص. ظهرت لحظة إصابة الكاميرا في مقطع فيديو تبلغ مدته 34 ثانية. يبدأ المقطع بصوت رصاصة، يليه اهتزاز الكاميرا نتيجة اصطدام المراسل والمصور بها، ثمّ ينتهي الفيديو فجأة بعد سماع صوت طلقة نارية ثانية.

لمقارنة معلوماتها، لجأت "فوربيدن ستوريز" إلى تحليل أجرته وكالة الأبحاث الصوتية إيرشوت لمقطع الفيديو القصير، التي قدّرت أن تكون الرصاصة الثانية قد أطلقت من مسافة 62 متراً، ما يتوافق مع تصريحات شهود العيان والتسجيلات التي تثبت وجود ثلاث آليات إسرائيلية على بعد المسافة نفسها تقريباً.

بدوره، أشار مستشار تحليل الصوتيات روب ماهر إلى أنه "إذا كان الصوتان المسموعان في التسجيل يشيران بالفعل إلى مزيج من موجة صدمية وانفجار عند فوهة البندقية، فإن الفروق الزمنية بين الصوتين ستتوافق مع مسافة تقدر بـ62.1 متراً".

كذلك، أخضعت "فوربيدن ستوريز" الكاميرا لفحص أثبت وجود أثر رصاصتين، الأولى اخترقت مقدمة الكاميرا واستقرت داخلها، فيما دخلت الأخرى من الجانب الأيمن للكاميرا، وخرجت من الخلف. قال خبير في الأسلحة فضّل عدم الكشف عن هويته إن المعطيات "تنفي احتمالية أن تكون الرصاصات طائشة".

رفض الجيش الإسرائيلي الردّ على نتائج التحقيق التي قدمتها شبكة فوربيدن ستوريز، وأحالها على الشرطة الإسرائيلية التي نفذت العملية في ذلك اليوم، حسب قوله. بدوره، تجنّب جهاز الشرطة الإجابة عن الأسئلة، مكتفياً بالقول: "نأخذ جميع الادعاءات المتعلقة بإصابة الصحافيين على محمل الجد"، ومن ثمّ أعاد توجيه الشبكة إلى مكتب المتحدث باسم جيش الاحتلال من جديد.

عنفٌ متواصل ضد الصحافيين

ليست هذه المرة الأولى التي يتهرب فيها الجيش الإسرائيلي من تحمّل المسؤولية عن اعتداءاته على الصحافيين الفلسطينيين، بطريقة مماثلة لتنصله من جرائمه بحق الفلسطينيين عموماً.

قال الصحافي عصام الريماوي، الذي كان يغطي الأحداث على مقربة من فريق التلفزيون العربي: "فقدت (الأمل في تحقيق) العدالة بعد مقتل شيرين أبو عاقلة… حتى اليوم، لم يُدن أيّ شخص في قضية اغتيالها". وكان الريماوي ضمن مجموعة من عشرة صحافيين هاجمتهم قوات الاحتلال بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، خلال تغطيتهم المداهمة في بلدة دير الغصون، على الرغم من ارتدائهم سترات صحافية تظهر بوضوح هويتهم المهنية. ورأى أنّ سبب استهداف شحادة والمنير بالرصاص الحيّ هو الكاميرا، لأنّ جنود الاحتلال "لا يريدون للعالم أن يرى جرائمهم... لذلك يطلقون النار مباشرة على عدسات الكاميرا أو على أعين الصحافيين، حتى وهم يرتدون ستراتهم الصحافية". أضاف: "لم يعد هناك خطوط حمراء بعد السابع من أكتوبر".

لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرّض فيها عميد شحادة وربيع المنير لاستهداف مباشر من قوات الاحتلال، ففي يوليو/ تموز 2023 أطلقت سيارة جيب عسكرية إسرائيلية النار مباشرة على معدات التلفزيون العربي، خلال تغطية الثنائي اقتحام قوات الاحتلال لمخيم جنين في الضفة الغربية. 

وقال شحادة لـ"فوربيدن ستوريز" إنّه يفكّر كل يوم بعملية الاستهداف الثانية، مشيراً إلى أنّه تحدث مع المنير عن خوفه من أن يقتل خلال أداء عمله الصحافي. أضاف: "سواء قتلت أنا أو المصور على يد الجيش الإسرائيلي، فقد سبق أن قلنا عدة مرات، إننا مستهدفان، وفقدنا الشعور بالأمان".

المساهمون