أصدر المجلس الأعلى للثقافة مؤخراً كتاب "مسرح العرائس في مصر" لسيد علي إسماعيل. يأتي هذا الإصدار تزامناً مع يوم الأراجوز المصري (28 نوفمبر/ تشرين الثاني) الذي يشهد العديد من الفعاليات الحكومية والمستقلة احتفاء بهذه المناسبة.
ووفقاً للمؤلف، فإن هذا الكتاب يسد ثغرة كبيرة في دراسة فنون مسرح العرائس والأراجوز، حيث تخلو المكتبة العربية من دراسات نظرية تاريخية في هذا المجال. وهو أمر يعاني منه الباحثون الأكاديميون كثيراً.
يقع الكتاب في خمسة فصول استغرقت 160 صفحة، هي: العروسة والأراجوز، محمود شكوكو، فرق العرائس الأجنبية قديماً، أحمد عامر الرائد المجهول، مسرح القاهرة للعرائس، فرق زائرة وخبراء.
في الفصل الأول "العروسة والأراجوز" يتطرق المؤلف إلى اكتشاف بعض العرائس الحجرية التي تنتمي إلى العصر الجاهلي في شبه الجزيرة العربية.
وذهب إلى احتمال وجودها في مصر أيام المماليك والحملة الفرنسية، وأنها ظلّت تُستخدم ضمن أدوات أصحاب الملاعيب والمحبظاتية والمهرجين والراقصين، كما جاء في "تاريخ الجبرتي" أثناء وصفه للأفراح والموالد والاحتفالات الشعبية.
فقد ذكر الجبرتي أن تلك العرائس كانت مستخدمة بطريقة أو بأخرى، سواء أكانت عرائس صغيرة أو ضخمة أو أراجوز أو خيال ظل. كما أشار إسماعيل إلى ما كُتب عن العرائس في الحقبة الفرعونية.
أما الأراجوز فكان له نصيب كبير في هذا الكتاب، مبينا أن أول إشارة موثقة عنه في العصر الحديث جاءت على لسان المستشرق البريطاني إدوارد لين في كتابه عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، الذي ألفه في الفترة من 1833 إلى 1835، وكيف كانت الإعلانات الصحافية تخلط، في منتصف القرن التاسع عشر، بين الأراجوز وخيال الظل.
وينشر الكتاب وثائق عديدة منها تصريح من الحكومة المصرية بممارسة مهنة الأراجوز في الموالد لأحد الفنانين سنة 1904، وصولاً إلى جهود زكي طليمات في المسرح المدرسي في منتصف القرن الماضي، وتوصياته بإدراج مسرح العرائس والأراجوز بمدارس رياض الأطفال.
وأكد المؤلف أن الوثائق وحدها لا تكفي لفهم تاريخ العرائس في مصر، إذ لا بد من الإسراع وبذل الجهد في تجميع التراث الشفاهي لهذه الفنون، حيث أن بعض الرواد وتلامذتهم لا يزالون على قيد الحياة.
أفرد الكتاب فصلاً خاصاً للفنان المصري محمود شكوكو، باعتباره أشهر فناني الأراجوز في التاريخ المصري الحديث وصاحب مسرح خاص في هذا الفن، لكن مع التأكيد أن هناك فنانين عاشوا وماتوا من دون أن يلتفت إليهم أحد، ومنهم أحمد المسيري، وهو صاحب فرقة فنية جوالة ظهرت في عشرينيات القرن الماضي، وظلت تعمل حتى منتصفه تقريباً.
تلك الفرقة هي التي تلقى على يديها محمود شكوكو أصول الفن الشعبي، بل إن المسيري هو مبتكر كل حركة ورقصة أداها شكوكو على المسرح طوال حياته، وهو المؤلف والملحن لمعظم أغانيه أيضاً، ومن أشهرها مونولوج "ورد عليه، فل عليه".
والمؤلف، وفقاً لما هو مكتوب في الصحافة القديمة من مقالات وإعلانات، يُفرق بين عروض الأراجوز ومسرح الأراجوز. فالعروض كانت تقدم في الحواري والموالد، والأرياف، والساحات الشعبية، ولم تقدم نهائياً على خشبة مسرح للكبار، إلا عبر الفرقة الخاصة لمحمود شكوكو الذي يعد بذلك رائداً في هذا المجال.
في فصل "فرق العرائس الأجنبية قديماً" ينفي الدكتور سيد علي إسماعيل ما هو متداول بأن مصر عرفت مسرح العرائس في أواخر خمسينيات القرن الماضي، عندما جاءت فرقة العرائس التشيكية ثم فرقة ساندريكا للعرائس الرومانية وعرضتا عروضهما لأول مرة بالقاهرة، مشيراً إلى أن هناك العديد من الفرق التي سبقت ذلك، مثل فرقة هولدن الأميركية التي زارت مصر في 1890 وقدمت عروضها على مسرح الأوبرا الخديوية، وفرقة الجوق السيموغرافي الإيطالية التي جاءت إلى مصر سنة 1899 وقدمت عروضها في تياترو أبو خليل القباني وغيره، وفرقة الجران جينيول التي زارت مصر سنة 1929، وفرقة باتشولي الإيطالية التي وصلت إلى القاهرة في 1931،وغيرها.
ويؤكد المؤلف أن البحث في هذه النقطة لن يكتمل إلا بتوجه الباحثين إلى الصحافة الإيطالية والفرنسية والإنكليزية التي كانت تصدر بمصر في تلك الفترة، والتي ستكون بالتأكيد مصدراً أكثر غنى من المصادر الصحافية العربية التي لجأ إليها المؤلف.
وخصص سيد علي إسماعيل فصلاً خاصاً لأحد رواد مسرح العرائس المجهولين في مصر، هو الفنان العرائسي أحمد عامر الذي بدأ بمعاونة الحكومة المصرية سنة 1954 في إنشاء أول مسرح للعرائس في مصر.
وفي سنة 1956 كانت الفكرة قد تحولت إلى واقع، يثبت ذلك ما نشرته جريدة الأخبار في أول يوليو/ تموز من ذلك العام تحت عنوان "أول مسرح للأراجوز والعرائس".
بعدها تحدث المؤلف عن "مسرح القاهرة للعرائس"، الذي نشأ في زمن الوحدة بين مصر وسورية، وأهم أحداثه وعروضه وصولاً إلى أنجح العروض التي قدمها، وهو أوبريت "الليلة الكبيرة"، من أشعار صلاح جاهين وألحان سيد مكاوي وعرائس ناجي شاكر وديكور مصطفى كامل.
أما آخر فصول الكتاب فرصد فيه المؤلف أبرز الفرق التي زارت مصر بعد إنشاء مسرح القاهرة للعرائس في الأزبكية حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي، ومن بينها فرقة العرائس الصينية، وفرقة عرائس ألمانيا، وفرقة العرائس التشيكوسلوفاكية.