أعلن كانييه ويست، في لقاء طويل مع ديفيد ليترمان، ضمن برنامج "ضيفي القادم لا يحتاج إلى مقدمة" الذي بثته منصة نتفليكس، عن مواجهته للعديد من المشاكل العقلية والنفسية. مشاكل رافقته طوال حياته، ويحاول دوماً التخلص منها. نتعاطف مع ويست، لكن في الوقت نفسه لا يمكن لنا سوى الدهشة والاستغراب، وأحياناً استهجان ما يقوم به، إذ دعم دونالد ترامب، ثم ترشح للرئاسة، ثم لام السود أنفسهم على عبوديتهم، وأطلق تصريحات معادية للساميّة، مع تأكيده طوال الوقت بأنه عبقري، وأفكاره تبلغ قيمتها المليارات. مع ذلك، هو غارق بالديون، ويطلب النقود من "الجميع". آه ونسينا أن نذكر أنه ارتدى قميصاً يحمل عبارة "حياة البيض مهمة"، وغيّر اسمه قبل كل ذلك إلى ييه.
ما الذي يمكن أن نقوله عن ييه؟ هل يريد الانتباه؟ هل يعاني من صدمة طلاقه من كيم كارداشيان؟ هل هو مصاب بجنون الارتياب؟ لا نستطيع استخدام ما سبق، كوننا لا نمتلك أي معارف طبية-نفسيّة، لكن ما يمكن قوله إن ويست تحول إلى Troll، أي شخص يحاول السخرية (بوعي أو غير وعي) من كل ما حوله، حتى من نفسه ومن التاريخ. بصورة أخرى، هو يتبنى موقف "الضد" من كل ما هو سائد، ويقوم بما لا يمكن توقعه، أو بصورة ما، ما لا يجب عليه هو أن يقوم به. وعلى الرغم من كل الانتقادات، فإنه لا يتوقف، ويستمر بالظهور على الشاشات حتى بعد طرده من "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر". وكأن ويست، عصيّ على الإلغاء، سيقول ما يفكر فيه دوماً، مهما كانت العواقب.
اللافت أيضاً أن ويست رجل أعمال، تتعاقد معه كبرى الشركات كـ "بالانساغيا" و"أديداس"، ثم ما تلبث أن توقف الصفقات معه، بسبب شيء ما قاله، أو تصريح غير متوقع أثار ضده موجة غضب من قبل الجميع، من دون أي استثناء، إذ وصفت "أديداس" التي أنهت تعاقدها معه أخيراً تصريحاته بـ"غير المقبولة، والبغيضة، والخطيرة".
يبدو أن ويست مقتنع ليس فقط بأنه ضحية، بل مؤمن بوجود مؤامرة كبرى، تُحاك ضده وضد الثقافة السوداء، مقدماً تفسيرات غريبة للواقع. برأيه أهم مسبب لوفيات السود في الولايات المتحدة الأميركية، لا يتمثل بعنف العصابات أو عنف الشرطة أو التمييز العنصري، بل الإجهاض.
محاولة تتبع المنطق الذي يتبناه ييه غير مجدية، كونه يتحرك ضمن إطار هذياني/مؤامراتي/ارتيابي. وهذا بالضبط المثير للاهتمام. نحن أمام مادة ترفيهيّة. صحيح أن الصفقات التي يقوم بها واللقاءات التي يظهر بها "جديّة"، لكن النتيجة هي حماقات وبيانات تُختزل بمجموعة من المنشورات التي تسخر منه. هو بصورة أو بأخرى "صانع محتوى"، ناشط ساذج من نوع ما، يوفر لنا قدراً لا يُستهان به من التسلية. لا نعلم إن كان مدركاً لذلك أم لا، لكن النتيجة واحدة، تغريدات وصور ساخرة تملأ الصفحات الإخبارية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء.
هل نوظف حجة هوياتية وجندرية لنقول إن كانييه ويست مثال على الرجولة السامة؟ ممكن، لكن ذلك لا يكفي. هل نتعامل معه كالعبقري الذي لم ينل التقدير الكافي؟ هذا غير مقنع كونه الأشهر عالمياً، ولا أحد ينكر موهبته الموسيقيّة، لكنه ليس عبقرياً بكل الأحوال. كيف نصفه إذن؟ ما هو الإطار الذي يتحرك ضمنه؟ هل هو، كترامب، يسعى دوماً إلى أن يكون موجوداً في الأحاديث العامة كل يوم وكل ساعة؟ ربما. أم هو مجرد رجل حانق وغاضب، يريد أن يستعيد ما فقده، فيحاول أن يفجر ألغاماً على كل الجبهات؟
لا نمتلك أي أفق للتوقعات فيما يخص مستقبل ويست، خصوصاً بعد حرمانه ومقاطعته، ورغبته شراء منصة بارلر المعروفة بتوجهها اليميني، كي يعبر عن آرائه هناك من دون أي خوف. لكن ما الذي تبقى من إشكاليات لم يخضها ييه؟ هل سينكر كروية الأرض؟ هل يعلن اكتشافه لأطلانطيس؟ أم سينزع جلده فجأة ليكشف أنه واحد من السحالي التي تحكم العالم سراً؟