كاران جوهر: إلى أصغر شاشة ممكنة

14 أكتوبر 2020
يلقى البرنامج نجاحاً جماهيرياً (Getty)
+ الخط -

لا أحد يُجادل في كون المخرج الهندي كاران جوهر (1972)، أحد الأسماء البارزة في تاريخ السينما البوليوودية، بسبب أفلامه الشهيرة، التي كانت سبباً في بروز الكثير من الممثلين داخل الساحة الهندية، وخاصّة أنّ ظهور أفلام كاران جوهر تزامنت مع بدايات موجة السينما الجديدة داخل الهند، مع كل من شاه روخان وأكشاي كومار وسلمان خان وأمير خان وكارينا كابور وكاجول وكاريشما كبور ومدهوري ديكشن، وغيرهم من الممثلين الذين بزغ نجمهم داخل أفلام كاران القليلة والمُؤثرة في المشهد السينمائي الهندي.

كانت أفلامه وكأنّها مزيج بين الجدية والترفيهية والرومانسية، لكنها أعطت قيمة أكبر للصداقة على حساب الحب، وجعلت العمل السينمائي تعبيراً عن الواقع الهندي، بكيفيات مُتفاوتة من المعالجة السينمائية، مقارنة مع أفلام أخرى، لم تخرج من هاجس الحركة ومفهوم البطل، ما جعل أفلامه تبدو أكثر تلقائية عن غيره ومُنغمسة في قضايا الجيل الجديد وتحوّلاته وبتعبيرات فنية مُستساغة، أثرت على مدار سنوات في المُشاهد العربي وجعلته يقف بعمق عند ملامح السينما الهندية الجديدة والتحوّلات التقنية التي طاولتها منذ التسعينيات.

كان فيلمه الأول "كوتشي كوتشي هوتا هي" (1998)، حدثاً فنياً في تاريخ السينما الهندية، أولاً لأنه استطاع فيه جمع نخبة من الوجود الجديدة، مثل شاه روخان وكاجول وراني موخرجي، وثانياً لأنه طرح لأول مرة مفهوم الصداقة كشيء أعمق من الحب. هذا الأمر، شكّل خرقاً في تاريخ الشاشة الكبيرة الحاملة على عاتقها، منذ بواكيرها الأولى، جعل موضوعات من قبيل الحب والعشق قضايا كبرى ومركزية داخل أفلامها، هذا إضافة إلى قدرة المخرج كاران جوهر على إحداث جماليّات مُبتكرة داخل أغاني أفلامه، التي باتت أكثر شهرة داخل السينما البوليوودية، بما فيها أفلام والده ياش جوهر، حتى غدت موسيقى فيلمه الأول بمثابة أيقونة سينمائية للجيل الجديد داخل السينما الهندية.

لكن مع بداية الألفية الجديدة، بقدر ما اكتسحت أفلام كاران جوهر مُخيّلة المُشاهد العالمي، بدأت بعض أعماله تسقُط في فخ المباشرة والتسطيح والترفيه، تحوّل معها إلى منتجٍ لعدة أفلام ناجحة على مستوى شبّاك التذاكر، لكن هاجسها الأكبر ظلّ هو الترفيه، تُزكيه الإيرادات الوطنية والصحافة الهندية، وعدم قدرة هذه الأخيرة على التأثير في هذه الصناعة السينمائية، حتى غدت السينما الهندية اليوم وكأنّها "مشروعٌ" سينمائيّ واحد.

شيئاً فشيئاً، تخلى كاران جوهر عن لمسته الإخراجية والإنتاجية معاً، وانصاع بشكل كليّ إلى الاهتمام بتفاصيل برنامجه الشهير "قهوة مع كاران"، الذي وصلت مواسمه إلى السنة السادسة، مُحقّقاً أعلى المشاهدات داخل التلفزيون الهندي، مُستغلاً صداقاته الكبيرة مع أكبر نجوم بوليوود وأمهر العاملين بهذه الصناعة ممن عملوا معه في أفلامه، حتى أضحت حلقات بعض مواسم هذا البرنامج مجرد تسويقٍ لبعض نجوم الهند وأفلامهم وشركاتهم الإنتاجية وأعمالهم التجارية.

جعل هذا الكثير من النقاد داخل الهند يعيبون على كاران جوهر اهتمامه المُبالغ فيه بنجومٍ بعينهم وعدم حرصه على التعريف بممثلين جدّد راكموا تجارب فنية مهمة داخل هذه السينما، وخاصّة أنّ هذه الأسماء الجديدة غيّرت مسار السينما وجعلت بعضاً من مكوّناتها الجمالية مثل الموسيقى والرقص، ذات احترافية بالغة، بعد النجاح الباهر الذي حققته بعض أغاني هذه الأفلام في صيغتها العربيّة، مثل فيلم "فان" و"دووم" في الجزء الثالث منه.

ومع أنّ برنامج "قهوة مع كاران" ناجح على مستوى المُشاهدة، إلّا أنه لم يحرك ساكناً في صفوف الساحة السينمائية، فهو برنامج ترفيهيّ، يهتم بنميمة النجوم ولباسهم وقلوبهم وعلاقاتهم وحياتهم اليوميّة، وهي أشياء لا علاقة لها بالسينما، وخاصّة أنّ القيمة الفنية للحلقة لا تكتسب شرعيتها من مدى أهميّتها في إحداث جدل فني وسينمائي من خلال مناقشة المنتوج الفني للمثل وريبرتواره السينمائي، وإنما يغدو اسم الممثل أو البطلة هو مقدار نجاح الحلقة التي لا تخرج عن الضحك والتصفيق المجاني والجرعات الزائدة من النميمة في شخصيات الأبطال.

لكن تشبث المُشاهد الهندي بهؤلاء النجوم وإيمانه الأعمى بقواهم الخارقة، جعلهم يستغنون عن تدقيق النظر في البرنامج وأهواله، وعدم قدرته على خلخلة السينما الهندية الآخذة في الانحدار الشديد، من حيث موضوعاتها ومشروعها الجمالي، مقارنة مع سنواتٍ خلت ظلّت تتنزل فيها منزلة مرموقة منذ ستينيات القرن المنصرم.

كل هذه القفزات الفنية والتحوّلات الجمالية لا تهم المخرج كاران جوهر في برنامجه ولا تعني له شيئاً أمام ملايين مُشاهداتٍ تُشجعه على توسيع إمبراطوريته الأيقونية وصخبه الإعلامي وقدرته المادية التي تُمكّنه من استضافة أيّ نجم بوليووديّ بإمكانه أنْ يصنع  له جماهيرياً برنامجه الترفيهي، المُتشابه الحلقات وفقرات أسئلته حول حياة الممثل الشخصية، في غياب تام لمناقشة الساحة السينمائية الهندية والعطب الموضوعي الذي أصابها وينخر أفلامها في السنوات القليلة الماضية، وعدم قدرتها على التماهي مع السينما العالمية، في وقت تظلّ فيه السينما البوليوودية على عرش الإنتاج السينمائي العالمي، من حيث عدد الأفلام المُنتجة كل سنة، تُوازيها شخصيته السطحية داخل البرنامج، التي لم تجعله ينجح في مجال التمثيل قبل أنْ يلجأ إلى صناعة الأفلام والبرامج الهزلية.

المساهمون