كانت لفرنسا حصتها الكبيرة و"التاريخية" من تصنيفات مجلة فوربس الأميركية للأشخاص الأغنى حول العالم لعام 2023 التي نشرت في الأسبوع الأول من هذا الشهر. وعلى الرغم من أن التصنيف شبه معروف، وهو جزء من عمل المجلة، وينتهي الجدل حوله بعد يوم من نشره، فإن للفرنسيين كل عام رأياً آخر.
فبعد مرور نحو 3 أسابيع على نشر التصنيف لا يزال الجدل حوله مستمراً في فرنسا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
نعود إلى أصل الخبر: الرجل الأغنى في العالم لهذا العام والمرأة الأغنى كلاهما من أصل فرنسي. برنار أرنو، الرئيس التنفيذي لمجموعة إل في إم إتش LVMH، وفرنسواز بيتينكور ميير، وريثة العلامة التجارية "لوريال"، على رأس قائمتي الرجال والنساء الأغنى في العالم. "فوربس فرنسا" قالت في بيانها عن تصنيفات هذا العام "لأول مرة في تاريخ التصنيفات، الرجل والمرأة الأكثر ثراءً في فرنسا هما أيضاً الأغنى في العالم. وهذا دليلٌ على قوة الاقتصاد الفرنسي على الرغم من الأزمات المتتالية التي تمرّ بها بلادنا بشكل مباشر أو غير مباشر".
قُدّر صافي ثروة أرنو (مع عائلته) بـ211 مليار دولار، ما جعله في المرتبة الأولى، متقدّماً على إيلون ماسك الذي تقدّر ثروته بـ180 مليار دولار. بينما قُدّرت ثروة ميير (وعائلتها) بـ80.5 مليار دولار، مُحتلّة بهذا المبلغ المرتبة الحادية عشرة عالمياً، ومُحافظةً على مكانتها كالمرأة الأغنى في العالم للسنة الثالثة على التوالي.
ولكن هل احتفى الفرنسيون بهذه التصنيفات؟ لا، جواب قاطع وواضح، ويمكن قراءته حتى اليوم في الصحافة الفرنسية ومواقع التواصل وفي النقاشات المتواصلة على شاشات التلفزيون.
في يونيو/ حزيران 2006، وخلال إحدى المناظرات التلفزيونية، قالها رئيس جمهورية فرنسا السابق (2012-2017) فرنسوا هولاند: "نعم، أنا لا أحبّ الأغنياء". مرّت سبعة عشر عاماً على المقابلة، وعبارته ما زالت إلى اليوم مُحافظة على حضورها. مراراً، وفي أكثر من مقابلة، يطلب صحافيون من هولاند توضيح موقفه من الأغنياء وأصحاب الثروات. لا يحتاج الأمر إلى أي مجهود في صياغة السؤال، يكفي تكرار العبارة على مسمع الرجل ليتكلّم من نفسه: "حينها كنت أريد القول بأني لا أحب الثروة غير المبنية على العم، والموهبة والمخاطرة. لا أحب الثروات - كما قال أحد أسلافي - التي تتراكم أثناء النوم".
وفي كل مرة أراد أحدهم البحث في حقيقة الفكرة السائدة عن العداوة بين الفرنسيين والأغنياء، سيجد نفسه عائداً إلى الأرشيف ليجد دليله لإثبات الفرضيّة، دليلٌ بالصوت والصورة: نعم الفرنسيون لا يحبون الأغنياء؛ ورئيس الدولة السابق أوضح مثال.
عام 2018، نشرت صحيفة لو فيغارو الفرنسية مقالاً بعنوان "لا يزال الفرنسيون يواجهون مشكلة مع الأغنياء". يتحدّث المقال عن دراسة أجرتها مؤسسة "أودوكسا" للأبحاث عن الانطباع الذي يثيره الأغنياء عند الفرنسيين. توصلت الدراسة إلى أن ثمانية فرنسيين من بين كل عشرة يرون أن الثراء يعكس صورة سلبية عن الأشخاص. وشدّدت الدراسة في خلاصتها على أن هذا الموضوع هو واحد من القضايا النادرة التي سنجد جميع الفرنسيين مهتمين بها. لم يقدم شخص واحد من الذين استُطلعوا إجابة حيادية أو رفض الإجابة كونه غير مبالٍ بالموضوع. كل ما سبق يعيدنا إلى الواقع المتواصل اليوم وإلى تفسير سبب اهتمام الفرنسيين بمناقشة هذه التصنيفات حتى بعد أيام من نشرها.