قد لا يعني اسم كريستي مارتن (54 عاماً) كثيراً لغير المهتمين برياضة الملاكمة. لكنه، لهواة النوع، مكتوب بالذهب على صفحة تاريخ الملاكمة العالمي بجانب أسماء كمحمد علي ومايك تايسون. كريستي -صاحبة أكبر عدد ضربات قاضية في تاريخ الملاكمة- وضعت، هي وقصتها الشخصية، الملاكمة النسائية تحت الأضواء.
خلف هذه الشهرة، صفقة مع الشيطان، العنوان الذي يحمله الفيلم الوثائقي Untold: Deal with the Devil، من إنتاج "نتفليكس"، وإخراج لورا برونسون، وهو الوثائقي الثاني ضمن سلسلة Untold التي تنقب خلف الرياضة والرياضيين وفضائحهم.
انطلقت كريستي على طريق معبّد بالغضب، من فرجينيا الغربية عام 1986، بعد أن انتصرت في ثلاث مباريات في مسابقة "تافمان" المحلية، وقبضت 300 دولار. كان المبلغ بمثابة الدفعة الأولى لمركز التدريب.
بدايةً في بريستول، ابنة عامل منجم الفحم، تلقت من السخرية ما كان باعتقاد جيم مارتن، شيطان هذه الحلقة، كافيا لانسحابها من النادي في يوم تدريبها الأول. لم تنسحب. نادى جيم على أحد الملاكمين، أوصاه بتسديد لكماتٍ تخرجها من الحلبة، لكنها لم تخرج. جيم لا يريد تدريبها، لكن ضغط مروج المباريات حينها كان أقوى منه. صمدت كريستي. ينظر جيم من كرسيه إلى المخرجة على يسار الكاميرا، وقد أنزل الزمن حمله على تجاعيد وجهه، يبتسم، ويخبرنا أنه سيصنع منها بطلة.
الممتع في الوثائقي أن كل الشخصيات المذكورة -ماعدا مروج الملاكمة الأشهر في العالم دون كينغ- ظهرت في المقابلات وفي اللقطات الأرشيفية المستعادة في إطار حجمه 4:4. رغم متانة سرد الأحداث الزمني، إلا أن لدراما الانطلاق من الحدث للتعرف على الشخصيات من خلاله، متعة صعبة التحقيق من دون تأن وفهم عميق للمونتاج من قبل القائمين على العمل، أو لوجود أجندات ذات قياسات صناعية موحَدة كأجندات "نتفليكس". يُدلي جيمي مالوني، شريك كريستي خلال التدريبات، بتصريحاته خفيفة الظل، وأحاديثه عن أهمية ظهور الكدمات واضحة في التدريب، واستغرابه أن كريستي تفعل كل شيء يطلب منها.
ينتقل الوثائقي إلى مراحل الدراسة الثانوية، ما أدى إلى ترهل السرد في البداية. تظهر شيري لاسك التي عاشت مع كريستي مغامرات كرة السلة والبيسبول، ثم مراحل متسارعة غاضبة لفتاتين مراهقتين، تخفيان ميلهما الجنسي لبعضهما بعضاً، ينفجر في النهاية.
يتحدث الأب والأم في مقابلات منفصلة، قُطِعَ حديثهما حسب ما يتطلبه السرد، فجملهما عن قوتها البدنية، وميولها الغريبة غير المألوفة بالنسبة للأم، كانت مناسبة للسياق في هذه المرحلة، لكنها غير كافية درامياً لتحضير المُشاهد للأحداث اللاحقة.
قُبلة سريعة لمدربها جيم على الحلبة بعد أن انتصرت في إحدى المباريات، ثم ارتباط عاطفي به وزواج، وهو أيضاً غير موضح الأسباب من قِبَلها. رغم فارق العمر الكبير، وانزعاجه من علاقاتها السابقة مع نساء، إلا أنه باتفاق غير معلن بينهما، تواطآ على الاستمرار، استمرار عنوانه الرئيس تحول اسم كريستي "ستولرز" إلى كريستي "مارتن". تبدأ حياتها المهنية بتكديس النجاحات والجوائز، وبزواجها من جيم تزوجت الملاكمة. الموسيقى السريعة بدت مقحمة عند عرض لقطات دون كينغ الأرشيفية، داعمة للمزاج الفرح لتلك المرحلة، ظهور الأسطورة مايك تايسون شخصياً، مشيراً إلى تشجيعه لكريستي بوضع صورتها على بطاقات ملاكمته.
انتصرت كريستي في عام 1996 على ديردري غوغارتي. تلك كانت أول مباراة نسائية تعرض على التلفاز بمقابل اشتراك مادي. غوغارتي تحدثنا عن الجمهور السَكْير الذي كان يقذف الشتائم على كل شيء، ومشاهير السينما المتحمسين لمشاهدة المباراة، كجاك نيكلسون (يظهر جالساً يضحك بين الجمهور بسيجاره ونظاراته الشمسية). حصلت كريستي بعد انتصارها على فرصة تجربة وتذوق كل ما يمكن شراؤه بالمال؛ ملابس، سيارات، عروض تلفزيونية، كوكايين، وجاكوزي، ومسبح داخلي... إلخ.
لا تستغرب ليزا هولواين، بطلة العالم في الملاكمة، سهولة كره كريستي، فذلك يعود إلى تصريحاتها الفاضحة ضد المثليين، وإشارات كريستي المليئة بالكره والتعنيف والسخرية لمعرفتها بمثلية ليزا. يتكشف الوجه الأسود لحياة كريستي الزوجية مع مالٍ وشهرة، تتعرض فيها لضغوط هائلة من زوجها للاهتمام بصورتها كأنثى في لعبة روادها الأساسيون رجال، ومحاولاتها الدائمة لإخبار الشيطان عن خوفها من الفضيحة، فضيحة الإدمان، وفضيحة الميول.
الارتقاء لمستوى آخر في اللعبة كان سبباً لتطلب كريستي من زوجها مدرباً جديداً، زوجها الذي أصبح مشهوراً بسببها، وهي بالنسبة له مجرد صراف آلي، ليثبت لها أنه الأقوى ولا فكاك منه ولا مدرب لها غيره. وجّه لها لكمة في الحلبة أفقدها وعيها. لاحقاً، في عام 2003، خلال مباراتها مع ليلى علي طفلة الأسطورة محمد علي، المباراة التاريخية، لأشهر وأقوى ملاكمتين بأحجام مختلفة، بعد تلقيها ضربة من ليلى على رأسها جعلتها تعتقد أن أرضية الملعب مائلة، لم يوافق جيم على إيقاف المباراة، ما أدى لهزيمة ساحقة لكريستي كانت بداية الانهيار الكبير.
غادرت كريستي المنزل، ذاهبة إلى صديقة طفولتها شيري. في المنزل كان زوجها يصور كل شيء، زارعاً كاميرات مراقبة في كل زواية المنزل. ولكريستي لديه صور ذات طابع جنسي، لإثارته على حسب قولها، أرسل الصور لكل المقربين والأصدقاء، بقصد ابتزازها لتعود له، وتخبرهم عن مثليتها. وعندما عادت إلى المنزل، طعنها أربع طعنات بالسكين وأطلق عليها النار، وذهب ليستحم.
هربت كريستي بأعجوبة ووصلت إلى المشفى، ولاحقاً قبض على جيم، لم تشرح كريستي موقفها من الاستغلال الجنسي والمادي الذي تعرضت له، والكاميرات المنتشرة في المنزل لتوثيق كل شيء، ولم نسمع تعليق جيم على هذا الموضوع، ما يتركنا مع أسئلة لن نجد لها إجابات مرضية.
للملاكمة أهمية خاصة في السينما الأميركية، فهي تحمل قصص نهوض فردي تغازل الحلم الأميركي. كما أنها تمثل تراجيديا نهاية البطل المأساوية في العديد من الأفلام.
في عام 2011، كما يظهر في الوثائقي، عادت كريستي إلى الملاكمة، وخلال المباراة التي تنشد فيها انتصارها الخمسين، كسرت يدها، أو بالأحرى هرستها بسبب عدد الضربات التي وجهتها إلى أعلى رأس الخصم. أوقف الطبيب المباراة قبل خمسين ثانية من انتصارها. حصل الانتصار الخمسون في قاعة المحكمة، عندما حُكم على جيم بـ25 عاماً في السجن. جيم، راض عن حياته كما يقول وهو مبتسم. كريستي ستتزوج من غريمتها ليزا هولواين وهي سعيدة اليوم أيضاً، لكن كابوس جيم سيبقى يلاحقها دائماً.