قصة جيفري دامر... أن تقتل وتلتهم قلوب من تحبّهم

30 سبتمبر 2022
يتجنّب مؤلّفو المسلسل إطلاق أحكام متسرّعة على دامر (نتفليكس)
+ الخط -

عام 2017، نشرت منصة نتفليكس الموسم الأول من مسلسل Mindhunter. عملٌ يسرد قصة تأسيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI لوحدة التحليل النفسي للقتلة المتسلسلين في الولايات المتحدة الأميركية. لاقى Mindhunter ترحيباً نقدياً وجماهيرياً كبيراً في مختلف بلدان العالم. عام 2019، نُشر الموسم الثاني. وفي 2020، أعلنت "نتفليكس" تعليق المسلسل حتى إشعار آخر. وحتى هذه اللحظة لا يبدو أن موسماً ثالثاً سيظهر.

كي تتدارك "نتفليكس" الموقف، راحت تُعدّ سلاسل وثائقية تتناول أشهر القتلة المتسلسلين في الولايات المتحدة. أبرزها Conversations with a Killer: The Ted Bundy Tapes، وNight Stalker: The Hunt For a Serial Killer، وConversations with a Killer: The John Wayne Gacy Tapes. إضافة إلى ذلك، أنتجت "نتفليكس" سلاسل وثائقية أخرى، حول قتلة متسلسلين من بريطانيا والهند.

من جهة أخرى، كثرت عروض المنصة الأميركية التي كتبها المؤلف رايان ميرفي. بعضها ليست من إنتاجها، مثل American Crime Story (من إنتاج ميرفي ومونيكا لوينسكي) التي تتألف من ثلاثة مسلسلات منفصلة، يتناول كل منها قضية/جرائم شغلت الشارع الأميركي. كما كتب ميرفي لـ"نتفليكس" أعمالاً أخرى، تتناول شخصيات سايكوباثية وواقعاً أميركياً مضطرباً، أبرز هذه الأعمال Ratched، و"هوليوود". وأخيراً، المسلسل الأكثر مشاهدة في هذه الأيام، وعرضته "نتفليكس" خلال الشهر الحالي: "الوحش: قصة جيفري دامر" Monster: The Jeffrey Dahmer Story.

يتناول هذا الأخير قصة القاتل المتسلسل جيفري دامر (1960 - 1994). يبدأ العمل، المؤلف من عشر حلقات، من النهاية؛ دامر (أدى دوره إيفان بيترز) يستدرج شاباً من ملهى ليلي خاص بالمثليين. يمضيان إلى شقة القاتل، إذ زعم الأخير أنّه يريد أن يلتقط للشاب الذي استدرجه صوراً، مقابل 50 دولاراً. يكتشف الشاب أنّ دامر ليس سوى قاتل. يستطيع الهرب منه، ويركض في الشارع إلى أن يلتقي سيارة شرطة. يذهب الشرطيان والشاب إلى شقة دامر، يفتشانها، ويعثران على هياكل عظمية بشرية، وجماجم، ولحم بشري، فيلقيان القبض عليه.

هكذا، تُسرد القصة بشكل معكوس؛ أي تبدأ بإلقاء القبض على دامر، ثم تعود بنا إلى طفولته؛ إذ نشأ في بيت مضطرب، لأم مدمنة على مضادات الاكتئاب والمخدرات، وأب مهمل، لا تربطه بزوجته سوى المشاجرات طوال الوقت. نشأة ليست مثالية لطفل يجده زملاؤه في المدرسة غريب الأطوار.
كي يُشغل الأب ابنه، يأخذه معه للبحث عن جثث حيوانات نافقة حديثاً، ويعلّمه تشريحها وتحنيطها. وخلال هذه الممارسة، يتبادلان أطراف الحديث. ومن ضمن أحاديثهما، كان الجنس أحد المواضيع. نحن هنا أمام طفل يتحدث عن الجنس ويتعرّف إليه، في أثناء تشريحه جثث الحيوانات وتقطيعها وتحنيطها. وبهذا، ارتبط الجنس في ذهن الطفل بالعنف.

في مراهقته، وهو بالكاد بالثامنة عشرة، سينفصل والدا دامر. يغادر أبوه البيت مع زوجة جديدة. وتترك والدته البيت في صيف ما، ويبقى وحيداً مع خيالاته ورغباته. هو مثلي الجنس، في مجتمع يرفض المثليين ويوصمهم وينعتهم بأقذر الكلمات. مثلي في وقت أخذ فيه شبح الإيدز يهدّد كل شخص في الولايات المتحدة. كل ما يريده دامر أن يجد لنفسه رفيقاً، لكنه مرفوض بسبب غرابة أطواره. في إحدى المرّات، يتعرّف إلى شاب. يدعوه إلى بيته. يحاول دامر التقرّب من الشاب، لكن الأخير يُبعده ويشتمه ويصفه بالشاذ. وعند محاولته المغادرة، يقتله دامر. كي يتخلّص من الجثة، سيقطعها ويطحن عظامها وينثرها في أرجاء حديقة البيت. عندما سُئل في التحقيق عن سبب نثره العظام المطحونة بهذه الطريقة، أجاب: "أردت أن أُبقي الشاب قريباً مني".

سينما ودراما
التحديثات الحية

دامر خائف طوال الوقت من فكرة أن يتخلّى عنه أحد، كما فعل به والداه. يريد لنفسه رفيقاً دائماً، يريد أن يمتلك رجلاً آخر، وألّا يتخلّى عنه أحد. لذا، كلّما تعرّف إلى شاب، كان يقيم معه علاقة، ثم يقتله، ويأكل قلبه بعد أن يطهوه، كي يبقيه معه إلى الأبد.

لا يكتفي Monster: The Jeffrey Dahmer Story، بعكس مسلسلات أخرى كثيرة، بالتركيز على الجرائم ومطاردة الشرطة للقاتل. كما أنه يحاول، قدر الإمكان، ألا يُطلق أحكاماً متسرّعة ضد دامر، أو الآخرين، رغم أن اسم المسلسل يمثّل زلّة في هذا السياق، فنعت الشاب بـ Monster (وحش)، هو في النهاية حُكم عليه، وتجريد من إنسانيته.

نرى كل جريمة من وجهتي نظر؛ دامر نفسه، والضحية. وهذا ما شاهدناه عندما بدأت إحدى الحلقات مع توني، إحدى ضحايا دامر. نبدأ مع توني منذ لحظة ولادته؛ طفل أصمّ، تجمعه بعائلته علاقة رائعة. انتهى به الأمر جثّة على سرير دامر.

ومن أبرز ما ركّز عليه المسلسل، أيضاً، عنصرية جهاز الشرطة في ذلك الوقت، وتقاعسه الكلي. معظم ضحايا دامر كانوا من السود، أو الآسيويين. لم يختر القاتل ضحاياه لأنه عنصري ويكره هؤلاء، بل لأن جهاز الشرطة متقاعس حين يتعلّق الأمر بهم، ما يجعلهم ضحايا مثاليين في متناول يده. وهذا ما حصل عندما استدرج دامر طفلاً في الرابعة عشرة من عمره، استطاع الهرب من الشقة، وهو تحت تأثير مادة مخدرة دسّها دامر له في شرابه. عثرت جارت دامر عليه في الشارع، عارياً ومُخدّراً. اتصلت بالشرطة لتبلّغها، وحين جاء رجلا أمن لمتابعة الأمر، كل ما فعلاه أنهما أعادا الطفل إلى دامر! الأخير زعم أن الطفل عمره 19 عاماً وأنه صديقه ويسكن معه. لم تكلّف الشرطة نفسها عناء البحث والتحقق، حتى أنهما لم يدخلا إلى الشقة لتفتيشها؛ إذ خافا أن يلتقطا مرضاً ما، لأن دامر مثلي الجنس، واحتمالية أنه مُصاب بالإيدز، بالنسبة لهما، كبيرة. مع تقاعس الأمن، ونَهَم دامر للمزيد من الدماء، استطاع الرجل أن يقتل ويقطّع أوصال 17 شاباً.

المساهمون