انطلقت الدورة العشرين من مهرجان الفنون الشبابية، "لبولفار"، الجمعة 23 سبتمبر/ أيلول وتستمر حتى 2 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل في الدار البيضاء المغربية. ليستكمل بذلك المهرجان نشاطه بعد توقف مسيرته في اكتشاف المواهب وتبني الثورة الفنية في الموسيقى المغربية.
وتوقف المهرجان سنتين، مثل باقي الأحداث الثقافية والفنية داخل المغرب وعالمياً، نتيجة الإغلاق الذي فرضه فيروس كورونا.
ونقلت الوكالة المغربية للأنباء عن مدير "لبولفار" محمد المغاري المعروف بـ"مومو" أنه "بعد أزمة فيروس كورونا اختار المهرجان المراهنة على المواهب المغربية التي عانت من الأزمة الصحية بسبب كوفيد"، لافتاً إلى أن "المهرجان لم يستطع الاستجابة للعدد المهم من طلبات الفنانين المحليين".
وقال المنظمون في بيان: "لم نشكك هنا في عودة مهرجان لبولفار إلى الجمهور، لكن انتابنا القلق، خوفاً من سيناريوهات كارثية، وحلمنا جميعاً بسيناريوهات بطابع المعجزة، فكرنا أيضاً بتنظيم مهرجان هجين واحتفالات متنقلة وقوافل في الصحراء، وإضفاء الطابع اللامادي على الحفلات، قبل أن نعود لما نحب أن نقوم به ونتقنه: لبولفار، ولقاء الآلاف من الأوفياء في كل نسخة. إنها عودة طال انتظارها".
برنامج لبولفار 2022
تنظم سهرات المهرجان في فضاء ملعب "الراسينغ" في مدينة الدار البيضاء، وتشهد حضور العديد من الفنانين والمجموعات المغربية للراب والهيب هوب، والروك والميتال، وأنواع موسيقية أخرى. ومن بين الفنانين المشاركين: ديب سكار، وهاوسة، وميزان، وحصبة كروف، ورحاب فيزيون، وإيغيدير، ولمورفين، ودوليبران، وموبيديك، وإلغراندي طوطو، وهولد ذ بريث، وبيتويناتنا، وجوبانطوجا، وهوبا هوبا سبيريت.
وكما جرت العادة يخصص الأسبوع الأول من المهرجان لمسابقة "ترومبلان لبولفار". وسيتبارى الفائزون في الجولة الأولى من الحفلات المبرمجة طيلة الجولة الثانية من المهرجان.
واختار المنظمون إشراك المجموعات المغربية لتشجيع الإبداع المحلي، بينما تشارك في هذه الدورة خمس مجموعات أجنبية مشهورة مثل "فادير"، "أركان أسرافوكور"، "بسيكوب"، "ألبوروزي وشينغن كلان"، و"لونتورلوب".
وتختتم الفرقة المغربية، هوبا هوبا سبيريت، سهرات المهرجان في 2 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
ونقلت الوكالة عن المدير المشارك للمهرجان هشام باحو أن هذه الدورة تركز على الزيارات التربوية لفائدة التلاميذ، وورشات لفائدة الفائزين في مسابقة "ترومبلان لبولفار" حول التواصل والتعبير الجسدي والكتابة والإضاءة المسرحية، وكذلك البطاقة التقنية وتقنيات الصوت وحقوق المؤلف.
"ترومبلان لبولفار"... تاريخ من اكتشاف المواهب
نقلت الوكالة عن المغاري أن الدورة العشرين ستبقى وفية لتوجه المهرجان، خاصة بتنظيم مسابقة "ترومبلان لبولفار" التي يعود لها الفضل في اكتشاف مواهب في الموسيقى الشبابية.
والمسابقة طقس دأب عليه المنظمون منذ سنة 1999، إذ أعطت للمواهب الشابة والفنانين المبتدئين فرصة لمقابلة الجمهور الواسع.
بشكل سنوي، تتيح الدعوة للمشاركة في "الترومبلان" فرصة قياس نبض الساحة الموسيقية الشبابية، والحصول على صورة عامة عما يتم إبداعه.
وتستقطب المسابقة عشرات المجموعات والفنانين الفرديين، تختارهم لجنة تحكيم مكونة من موسيقيين ومهنيين يستمعون للمقاطع ويدرسون طلبات المشاركة المرسلة في فئات الراب/الهيب هوب، والروك/الميتال، والفيزيون، وأصناف موسيقية معاصرة أخرى، وهذا بغرض البحث عن الإبداع والجودة والتميز.
وأشار "مومو" بحسب الوكالة إلى أن لجنة هذه الدورة تلقت ما مجموعه 273 طلباً، 220 طلباً في فن الراب والهيب هوب، و14 طلباً في الروك والميتال، و39 في الفيزيون وأنواع موسيقية معاصرة أخرى.
وأضاف أن لجنة التحكيم اختارت 17 فرقة وفناناً قادمين من مختلف مدن المملكة، وهم 9 في الراب والهيب هوب، و4 في الروك والميتال، و4 في الفيزيون وأنواع موسيقية معاصرة أخرى.
"لبولفار"... ثورة "نايضة" تغزو الفنون
في 1999 أسّس مومو وهشام باحو مهرجان "لبولفار" حاملين طموحات للنهوض بالموسيقى الشبابية في المغرب.
كانت البدايات صعبة، واعتبر المهرجان هامشاً في مشهد موسيقي تسيطر عليه الأغاني الشعبية والراي مع القليل من التواصل بين فنون المغرب والعالم.
ولأنه كان غريباً على الثقافة المغربية السائدة آنذاك، اتُّهم المهرجان أحياناً بالتحريض على "إفساد أخلاق الشباب"، و"نشر الموسيقى الشيطانية" واتهامات أخرى.
لكن مع مرور السنوات أحدث المهرجان حراكاً فنياً سمي "نايضة"، وهي حمى إبداعية أصابت كل أشكال التعبير الفني الموسيقي بالمغرب، وشجعت الشباب المغاربة على الانفتاح على موسيقى العالم وتجريب مزج الأنغام والآلات والأساليب المغربية والعالمية.
وأحدثت "نايضة" ثورة فنية بداية الألفية الجديدة حوّلت شوارع المغرب، خاصة في الدار البيضاء والرباط، إلى منصات يعتليها الشباب لتقديم فنونهم الغريبة عن الثقافة المغربية، ليس فقط في الجانب الموسيقي، بل تعدى التأثير إلى الفن التشكيلي والرقص المعاصر.
الراب نموذجاً للثورة الفنية المغربية
يعد فن الراب نموذجاً صارخاً للرجة التي شهدتها الساحة الموسيقية في المغرب منذ ظهور مهرجان "لبولفار" وحركة "نايضة".
وفي التسعينيات كان الراب لا يزال فناً دخيلاً لم يعره المغاربة اهتماماً، ثم ظهر "لبولفار" ليتحول إلى منصة لظهور مواهب جديدة شابة في هذا النوع الموسيقي.
تلا ذلك انفجار المحتوى الموسيقي في شبكة الإنترنت، مما عرّف الجمهور على المزيد من الفنانين.
وبعدما كان فناً هامشياً، تصدر مغني راب مغربي قائمة الاستماع العربية في تطبيق "سبوتيفاي".
إذ حلّ مغني الراب المغربي إلغراندي طوطو في المرتبة الأولى في قائمة الاستماع في العالم العربي في 2021، وذلك بفضل ألبوم Caméléon.
وتصدرت موسيقى الهيب هوب قوائم "سبوتيفاي" بشكل واضح في 2021 في المغرب.
واحتلت أغنية "مغير" لإلغراندي طوطو المرتبة الأولى، تلتها أغنية love nwantiti التي شارك فيها طوطو مع CKay المرتبة الثانية، بينما كان المرتبة الثالثة لمغني الراب Tagne بأغنية ناضي كندي.
وحتى حدود كتابة هذه السطور لا يمضي يوم تقريباً من دون أن تتصدر أغنية راب لفنان معروف أو مغمور قائمة الترند المغربية في "يوتيوب"، ما يظهر بوضوح الطريق التي قطعتها الأغنية الشبابية المغربية من الهامش إلى مركز الأضواء، منذ ظهور مهرجان "لبولفار".