الأسبوع الماضي، وفي وقت كانت آلة البروباغندا الروسية تواصل عملها بشكل مكثّف حول العالم، طالب الرئيس التنفيذي المشارك في مؤسسة "نيوزغارد" (تراقب أداء ومصداقية وسائل الإعلام) غوردون كروفيتز، بتحديث قانون أميركي يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي بهدف مواجهة الدعاية الروسية. ودعا كروفيتز إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وتحديداً المدعي العام ميريك غارلاند، إلى تبنّي قانون طويل الأمد يفرض تصنيف الدعاية من الحكومات الأجنبية المعادية، حتى يعرف الأميركيون مصدر أخبارهم.
قال كروفيتز، في مقال رأي نشرته مجلة "بوليتيكو"، إنه "يجب على وادي السيليكون أن يكفر عن ذنبه، بعدما ساهم لسنوات في منح (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين منصة للتعبير عن رأيه ونشر دعايته، من خلال التعهد بتزويد المستخدمين بالمعلومات التي يحتاجون إلى معرفتها، عندما يشاهدون دعاية إخبارية روسية في شريط الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي ونتائج البحث".
وذكّر كروفيتز بأن الأكاذيب الروسية حول سورية وأوكرانيا، وصلت إلى ملايين الأشخاص في الديمقراطيات الغربية، عبر مواقع فيسبوك، وغوغل، ويوتيوب، وتويتر، وتيك توك. ومن ضمن الدعاية الروسية التي أشار إليها كاتب المقال كانت ترويج موسكو إلى "سيطرة النازيين على السياسة الأوكرانية"، وأن "الحكومة في كييف ارتكبت إبادة جماعية ضد الروس في منطقة دونباس". وهي أخبار نشرتها وروجت لها مؤسسات إعلامية روسية مثل سبوتينك، وروسيا اليوم، وتاس، وانتشرت عبر مواقع التواصل الأميركية.
وبحسب تحليل المعلومات الذي قامت به "نيوزغارد" فإن أكثر من 100 موقع روسي على شبكة الإنترنت استهدف الولايات المتحدة وأوروبا فقط بهذه الأخبار.
لكن أمام هذا الواقع ما هو القانون الذي أشار إليه كروفيتز، ويعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي؟
عام 1937 أقرّت الولايات المتحدة قانون تسجيل الوكلاء الأجانب FARA لمواجهة الدعاية النازية التي كانت تتصاعد سريعاً وقتها، من خلال مطالبة موزعي الصحف في الولايات المتحدة بالكشف عن مصدر أخبارهم. ووفق القانون كانت الحكومة تفرض وضع إشارة على المطبوعات الواردة من دول "معادية".
وقد واصلت الولايات المتحدة تطبيق شرط وضع هذه الإشارة على الصحف والكتيبات والمجلات الأجنبية خلال الحرب الباردة. فكانت على سبيل المثال، مجلة مثل "سوفييت لايف" توزّع مع ختم ينبّه القراء إلى أن الناشر وكيل لحكومة موسكو.
حاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرض تسجيل المؤسسات الإعلامية الروسية وفق قانون تسجيل الوكلاء إياه، لكن ذلك شمل وسائل الإعلام بشكلها التقليدي من دون تحديث القانون ليواكب المواقع الإلكترونية وحسابات مواقع التواصل، وسط دعوات عدة لإلغائه تماماً كونه قديما، ويعود إلى حقبة الحرب البادرة، ولم يعد صالحاً في هذه الأيام.
لكن وصف القانون بالقديم لم يؤدِّ إلى إلغائه، بل عمد موقع تويتر بداية منفرداً إلى تصنيف بعض مصادر المعلومات المضللة الروسية على أنها "تابعة للدولة" في التغريدات. مقابل هذه الخطوة طلبت الحكومة الروسية وضع علامة شبيهة على جميع تقارير إذاعة "أوروبا الحرة" و"راديو ليبرتي" على شبكة الإنترنت في روسيا منذ عام 2020.
ماذا يقترح إذاً كروفيتز حالياً؟ وهل يمكن تطبيق القانون على الإنترنت ومواقع التواصل؟ الاقتراح الحديث ببساطة لهذا القانون هو "وضع كشف مفصل مرفق في كل مقال أو مقطع فيديو مصدره الكرملين، فيظهر في شريط وسائل التواصل الاجتماعي أو نتائج البحث لأي شخص".
ويعد وضع العلامات مع الكشف الشامل أكثر عمليةً على الإنترنت منه في المطبوعات أو من خلال البث، حيث تكون المساحة محدودة. يمكن تفصيل المعلومات حول مصدر الدعاية عبر الإنترنت بما يكفي لمنح القراء جميع المعلومات التي يحتاجون إليها لتحديد مدى موثوقية الخبر.
ويقول الرئيس التنفيذي المشترك لـ"نيوزغارد" إن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى حظر الدعاية الروسية أو فرض الرقابة عليها، بل يمكنها ببساطة فرض الكشف على مصدر المحتوى، بحيث يعرف المستخدمون أن المحتوى الذي يرونه ممول من قبل الكرملين أو أي قوة أجنبية معادية. وبحسبه، يجب أن تصر إدارة بايدن على التحذيرات التفصيلية على مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الأساسية الأخرى ليتمكّن المستخدم من التفريق بين الأخبار الكاذبة والمعلومة الفعلية.