قائمة شندلر

15 يوليو 2024
من فيلم "قائمة شندلر" (IMDb)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **خطاب جوناثان غليزر في الأوسكار**: فاز فيلم "The Zone of Interest" بجائزة أفضل فيلم أجنبي، وانتقد غليزر السياسات الإسرائيلية الحالية، مشددًا على أهمية التركيز على الحاضر.

- **إعادة بث فيلم "قائمة شندلر" على نتفليكس**: تزامن بث الفيلم مع أحداث غزة، مما أثار تساؤلات حول توقيته وأهدافه، ويُعتقد أنه يهدف لتذكير العالم بالضحية اليهودية.

- **رسالة ستيفن سبيلبرغ وفيلمه "قائمة شندلر"**: أكد سبيلبرغ على ضرورة إدانة قتل الأبرياء في غزة، مشيرًا إلى أن تكرار المحرقة يسلبه يهوديته.

"لا أريد القول انظروا ما فعلوا آنذاك، بل انظروا ما نفعله الآن". هذا جزء من الخطاب الصادم للأوساط المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة، الذي ألقاه المخرج البريطاني جوناثان غليزر الفائز بجائزة أفضل فيلم أجنبي (The Zone of Interest) في حفل أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية، أوسكار، في مارس/ آذار الماضي. 
غليزر يهودي، وفيلمه الذي فاز بالأوسكار يتناول قصة عائلة صغيرة ومحبة تقطن بالقرب من معتقل أوشفيتز في بولندا، والمفارقة أن ربّ هذه الأسرة هو قائد هذا المعسكر في الأربعينيات، وأحد القائمين على الإبادة الجماعية، أو ما يسمى في أدبيات الهولوكست "الحل النهائي".
تستعاد هذه الجزئية من خطاب غليزر بمناسبة استعادة منصة نتفليكس فيلم "قائمة شندلر" (Schindler's List) وبثه في الآونة الأخيرة، في توقيت يُعتقد أنه غير بريء على الإطلاق، وربما يهدف إلى التذكير بالضحية اليهودية. وإذا كان كذلك، فإنه يُدرَج عن قصد أو من دونه، في مسعى إسرائيل الدائم إلى احتكار دور الضحية وتكريسه، فلا ضحية سوى اليهودي، وليس مسموحاً لغيره أن يتقمص الدور أو يدّعيه، حتى في الفنون والآداب. ويحدث هذا (إعادة بث الفيلم) تزامناً مع انفجار الصور التي لا يمكن طمسها أو تجاهلها لضحية أخرى. تُقتَل بالآلاف وتباد حياتها كلها في بث مباشر يستطيع أيٌ كان في العالم متابعته. 
كأنه يُراد منا أن نستسلم لفكرة أن الماضي يطرد الحاضر ونرتضي طمسه، ونقبل بفكرة أن الضحية اليهودية وحدها من يحدد فهمنا ومفاهيمنا. فإذا حضرت فلا ضحية سواها، فما بالنا إذا كانت الضحية الجديدة من إنتاج الضحية السابقة، والحال هذه علينا أن نُعلي من شأن الهولوكست على ما سواه، فجرائم إسرائيل اليوم ليست إبادة بل دفاع عن النفس، ولكن هذا نفسه ما نبّه إليه غليزر وخطّأه (انظروا إلى ما نفعله الآن)، وما حذر منه مخرج "قائمة شندلر" نفسه بعد نحو أسبوع من خطاب غليزر.
يعتبر كثير من النقاد أن الفيلم (1993) يمثّل القطعة الذهبية لستيفن سبيلبرغ، وفيه استعاد يهوديته أو جهر بها عالياً، وحاز عليه أولَ أوسكار له في الإخراج، جامعاً بين هواجس الانتشار التجاري، وهو من بين قلة جمعت أفلامه أعلى الإيرادات في تاريخ السينما، وبين هاجس الفن، إذ يتبنى رسالة أو قضية حتى لو كانت غير جماهيرية. 
قدّم سبيلبرغ فيلمه بالأسود والأبيض، باستثناء مشهدين، والدقائق الأخيرة التي ربط فيها بين الفيلم والواقع، فيُحضِر من تبقى من ناجين تناولهم في فيلمه، وهم يحيّون شندلر في قبره في القدس. كأنه بهذا كان يريد القول إن ذلك الباب قد أُغلق، وإن على الماضي أن يظل "هناك"، وإذا تجاوز ذلك فليس إلا للتذكر، وإن علينا أن نكون ممتنين للحياة، ولأولئك الذين ساعدونا على النجاة، وألا ننساهم حين نتذكّر تلك الحقبة، حيث هي "هناك" بالأمس، وليست "هنا" الآن.
هذا بالضبط ما قاله سبيلبرغ في مارس الماضي بمناسبة الذكرى الثلاثين لمؤسسته التي تُعنى بتوثيق شهادات الناجين من المحرقة. فأولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكوم عليهم بتكراره، ما يعني بالنسبة له أن تكرار المحرقة بحق آخرين إذا حدثت "تسلبه يهوديته"، فالغضب من طوفان الأقصى يجب ألا يحول دون إدانة قتل النساء والأطفال الأبرياء في غزة.
أنقذ شندلر، وهو ألماني مسيحي، وتعيين جنسيته وديانته بالغ الأهمية هنا لتبيان نبل ما فعله، 1100 يهودي من المحرقة، وهو ما أوجب تحيته في فيلم بديع بالمناسبة، لكن فعلته هذه تكشف غياب أي شندلر "آخر" داخل إسرائيل حالياً، فرغم شهور تسعة من الإبادة التي ترتكبها حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، وحطّها من قيمة الإنسان عندما يكون فلسطينياً، فإذا هو حيوان بشري بتعبير وزير الدفاع يوآف غالانت، وتكرارها ما فعله النازيون بتعرية اليهود في أوشفيتز قبل قتلهم، فإن واحداً فقط من جنرالات إسرائيل لم يستوقفه أبداً التكرار الذي تحدث عنه سبيلبرغ، وهو يشاهد كيف يُعرّى المختطفون الغزّيون من الذكور، وتُعصب أعينهم وهو يُساقون إلى معتقلات الموت والتعذيب.
لو فعلها وأنقذ فلسطينياً واحداً لأصبح لإعادة بث قائمة شندلر على "نتفليكس" معنى يتجاوز الفكرة الفجة والبائسة في أهدافها، وهي التذكير بواحدية الضحية اليهودية.

المساهمون