لا أحد خضع للعدالة في نحو 80 في المائة من جرائم قتل الصحافيين انتقاماً منهم على عملهم في العقد الماضي، وعددهم 261 صحافياً، وفق المؤشر العالمي للإفلات من العقاب لعام 2023 الذي أصدرته لجنة حماية الصحافيين.
وقالت رئيسة لجنة حماية الصحافيين، جودي غينزبيرغ، في بيان صدر الثلاثاء قبيل حلول اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين: "إذ تظل جرائم قتل الصحافيين تقع من دون معاقبة مرتكبيها في زهاء 80 في المائة من الحالات في العالم، وذلك في البلدان الديمقراطية والبلدان ذات الحكم الاستبدادي على حد سواء، فإن الرسالة واضحة: لا بأس من مهاجمة الصحافيين. إن القتل هو أعلى مستوى من الرقابة. ويُعتبر إجراء تحقيقات محلية سريعة وشفافة ومستقلة أمراً بالغ الأهمية، وبوسع الإرادة السياسية أن تغير مسار العدالة للقضاء على الإفلات المنتشر من العقاب في حالات قتل الصحافيين بسبب عملهم".
يشمل المؤشر لهذا العام، وللمرة الأولى على الإطلاق، هايتي التي احتلت المرتبة الثالثة وسط أزمة الأمن المتصاعدة في البلد، والتي تفاقمت من جراء العنف المنتشر للعصابات وعدم الاستقرار السياسي تحت حكم حكومة تصريف الأعمال، إضافة إلى معاناة البلد من سلسلة من الكوارث الطبيعية. وفي مثل هذه البيئة الخطيرة، يضطر الصحافيون للعمل ضمن مناخ من الخروج شبه التام عن القانون، ويخشون تعرضهم للاستهداف بسبب تغطيتهم الصحافية وكثيراً ما يدفعهم الرعب إلى ممارسة الرقابة الذاتية. أما سورية التي ظلت مشمولة في مؤشر لجنة حماية الصحافيين على امتداد العقد الماضي، فقد وصلت إلى المرتبة الأولى، بوصفها البلد الذي يتسم بأسوأ سجل في مجال الإفلات من العقاب في العالم. واحتلت الصومال المرتبة الثانية، وظهرت على هذا المؤشر السنوي 16 مرة.
مع ذلك، يظل الإفلات من العقاب حاضراً باستمرار في بلدان تتمتع بنظام ديمقراطي يؤدي وظائفه، من قبيل البرازيل والمكسيك والهند وباكستان والفيليبين.
ولا يشمل المؤشر الصحافيين الذين قتلوا على يد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، "وذلك لأن حالات القتل هذه تقع خارج إطار مدة السنوات العشر التي يغطيها".
إلى ذلك، أعلنت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، مساء الثلاثاء، ارتفاع عدد الصحافيين الذين استشهدوا جراء الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة إلى 38. وجاء في بيان النقابة: "منذ 7 أكتوبر 2023 استشهد 25 صحافياً فلسطينياً و13 من العاملين في قطاع الإعلام، نتيجة قصف جيش الاحتلال". وأشار البيان إلى "قصف منازل ما لا يقل عن 35 صحافياً، واستشهاد عشرات من أفراد عائلاتهم، من ضمنهم الاستهداف المتعمد لعائلة الصحافي وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة، الذي نتج عنه قتل زوجته، واثنين من أبنائه، وحفيده الأصغر".
وشددت نقابة الصحافيين الفلسطينيين على أن "هذه الأفعال الشنيعة امتداد لسياسة ممنهجة لاستهداف وقتل الصحافيين الفلسطينيين؛ قتل الجيش الإسرائيلي 55 صحافياً فلسطينياً منذ عام 2000 وحتى السابع من أكتوبر 2023، بمن فيهم الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة، في مايو/ أيار 2022".
وأفادت بأن الاحتلال الإسرائيلي "قطع كل وسائل الاتصال بقطاع غزة، بما فيها الاتصال والإنترنت والهاتف والاتصالات المحمولة. وما زال الاتصال محدوداً ويتعرض لتعطيل وتشويش، مما يتيح لإسرائيل القيام بمجازرها في الظلام، بعيداً عن عدسات وسائل الإعلام العالمية".
وفي 13 أكتوبر، انضمّ المصوّر اللبناني عصام عبدالله إلى الشهداء الصحافيين الذين استهدفهم العدو الإسرائيلي منذ بدء عملية طوفان الأقصى التي امتدّت إلى الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، حيث تندلع مواجهات متقطعة بين جيش الاحتلال وحزب الله اللبناني. وقتل الاحتلال الإسرائيلي، عبدالله، العامل في وكالة رويترز، وأصاب صحافيين آخرين، بعد قصفه بلدة علما الشعب جنوب لبنان، وسط تأكيدات من الزملاء الذين نجوا من الاعتداء بأنّ الاستهداف كان مباشراً ومتعمّداً.
كما أكدت منظمة مراسلون بلا حدود، الأسبوع الماضي، أن استشهاد عبدالله كان نتيجة ضربة مستهدفة من اتجاه الحدود الإسرائيلية. وأوضحت المنظمة أنه "بحسب التحليل الباليستي (مسار المقذوف) الذي أجرته، جاء إطلاق النار من شرق المكان الذي كان الصحافيون واقفين فيه، من اتجاه الحدود الإسرائيلية... ضربتان في المكان نفسه في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن (أكثر بقليل من 30 ثانية)، من الاتجاه نفسه، تشير بوضوح إلى استهداف دقيق".
وفي سياق متصل، أعلنت "مراسلون بلا حدود"، أمس الأربعاء، أنها رفعت شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب "جرائم حرب" بحق صحافيين خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
وجاء في بيان المنظمة: "قدّمت مراسلون بلا حدود شكوى تتعلق بجرائم حرب إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تتضمّن تفاصيل حالات 9 صحافيين قتلوا منذ السابع من أكتوبر (8 فلسطينيين، وإسرائيلي)، واثنين أصيبا أثناء ممارسة عملهما". كما أشارت الشكوى إلى "التدمير المتعمد، الكلي أو الجزئي، لمباني أكثر من 50 وسيلة إعلامية في غزة".
المحكمة غير ملزمة بالنظر في القضية.
وقال الأمين العام لـ"مراسلون بلا حدود" كريستوف ديلوار إن "حجم الجرائم الدولية التي تستهدف الصحافيين وخطورتها وطبيعتها المتكررة، لا سيما في غزة، يستدعي إجراء تحقيق ذي أولوية من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. نحن ندعو إلى ذلك منذ عام 2018. وتظهر الأحداث المأساوية الحالية مدى الحاجة الملحة إلى تحرك المحكمة الجنائية الدولية".
وهذه الشكوى الثالثة التي تقدمها "مراسلون بلا حدود" إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحافيين الفلسطينيين في غزة منذ عام 2018. قدمت الشكوى الأولى في مايو/ أيار 2018، وتتعلق بالصحافيين الذين استشهدوا أو أصيبوا خلال احتجاجات مسيرة العودة الكبرى في غزة. أما الشكوى الثانية فقدمتها في مايو/ أيار 2021، بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على أكثر من 20 وسيلة إعلامية في قطاع غزة. كما دعمت "مراسلون بلا حدود" الشكوى التي قدمتها قناة الجزيرة بشأن اغتيال الاحتلال الإسرائيلي للصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، في الضفة الغربية، يوم 11 مايو 2022.
ولا يوجد سوى صحافيين فلسطينيين داخل القطاع يراسلون وسائل الإعلام الدولية بسبب الحصار الإسرائيلي. وزيادة على القصف والعمليات البرية للجيش الإسرائيلي، يعيش هؤلاء الصحافيون كما المدنيون داخل القطاع ظروفاً صعبة، في ظل شحّ المياه والغذاء والكهرباء واستهداف شبكة الإنترنت.
هكذا، يواصل الاحتلال الإسرائيلي استهداف الصحافيين، ويواصل الإفلات بجرائمه. ولا يتردد في إبلاغ وسائل الإعلام الدولية في قطاع غزة أنه لا يستطيع ضمان عدم تعرض طواقمها للأذى في الهجمات التي ينفذها. وزعم الجيش الإسرائيلي، الجمعة الماضي، أن "حماس تتعمد تنفيذ عملياتها العسكرية بالقرب من الصحافيين والمدنيين، وحذر من أنهم قد يتضررون من هجمات الجيش الإسرائيلي، وكذلك من عمليات الإطلاق الفاشلة من قبل المنظمات الإرهابية في قطاع غزة".
ودعا حينها الاتحاد الدولي للصحافيين الحكومة الإسرائيلية إلى الالتزام الكامل بالقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والعمل على منع ارتكاب أي جرائم بموجب القانون الدولي والتحريض عليها، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وقال الأمين العام للاتحاد، أنطوني بيلانجي: "يجب على أولئك الذين يشنون الحرب أن يحترموا القانون الدولي، مهما كانت شدة الحرب وخطورتها. ومن غير المقبول على الإطلاق أن تحاول الحكومة الإسرائيلية إعفاء نفسها من مسؤولياتها بموجب القانون الدولي من خلال إصدار بيان صحافي. تستند مهنة الصحافة إلى حق كل فرد في الوصول إلى المعلومات والأفكار، وهو حق تم التأكيد عليه في المادة الـ19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويجب على إسرائيل أن تحترم ذلك".
في مايو/ أيار الماضي، أصدرت لجنة حماية الصحافيين تقريراً عنوانه "نمط فتاك: 20 صحافياً قتلوا بنيران القوات الإسرائيلية خلال 22 سنة من دون أن يُحاسَب أحد"، انطلقت فيه من جريمة قتل شيرين أبو عاقلة، لتوثّق مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل 20 صحافياً على الأقل منذ عام 2001، ووجدت "نمطاً في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمماً للتملص من المسؤولية. فقد أخفقت إسرائيل في إجراء تحقيقات كاملة بشأن أحداث القتل هذه، ولم تجرِ تحقيقات معمقة إلا عندما يكون الضحية أجنبياً، أو عندما يكون الصحافي القتيل موظفاً لدى مؤسسة إعلامية بارزة. وحتى في تلك الحالات، سارت التحقيقات ببطء شديد، واستغرقت أشهراً أو سنوات، وانتهت بتبرئة الأشخاص الذين أطلقوا النيران".