فيلم "نمشي؟" ماضٍ ملوّن وحاضر بالأبيض والأسود

09 يناير 2025
أدّى دور البطولة الممثل محمد الجيزاوي (من المخرج)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "نمشي؟" للمخرج عساف الروسان يعكس رحلة عاطفية وإنسانية حول الفقدان، مستندًا إلى تجربة شخصية، ويستخدم الأبيض والأسود لتصوير الحاضر، بينما تُظهر الفلاش باك ألواناً دافئة، مما يعزز الحالة النفسية للشخصية الرئيسية.
- الفيلم، الذي عُرض في مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2024، يبرز أداء الممثل محمد الجيزاوي الذي أضاف بعداً عاطفياً قوياً، ويعكس الصراع الداخلي للشخصية في محاولة للتصالح مع فقدان والده.
- رغم التحديات، يبرز الفيلم طموح الروسان في تقديم عمل فني صادق، داعياً للتفكير في معنى الفقد وأهمية الدعم في التعافي، مع استمرار الروسان في تطوير مشاريعه السينمائية.

"الفقد ليس مجرد غياب شخص، بل هو ولادة جديدة لنفس تعيش في ظل الغياب". تلخّص هذه المقولة للطبيبة النفسية السويسرية إليزابيث كوبلر روس الرحلة العاطفية التي ينقلها فيلم "نمشي؟" للمخرج الأردني عساف الروسان، الذي يأخذنا في رحلة إنسانية بين فقدان الأب والبحث عن المعنى تحت وطأة الحزن. عُرض العمل ضمن مسابقة الأفلام العربية القصيرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي لعام 2024.
يحكي "نمشي؟" قصة عماد، الذي يجد نفسه بعد وفاة والده غارقاً في الحزن والضياع، عالقاً بين ذكريات ماضٍ ملون، وواقع رمادي. يسعى عماد إلى فهم معنى الفقد والتصالح مع ألمه.

موضوع الفيلم مرتبط بتجربة شخصية مرّ بها الروسان، إذ فقد والده، وأراد تجاوز التجربة من خلال فيلم: "وجدت نفسي غارقاً في دوامة من الأسئلة، ومحاولات لفهم الفقدان. الفيلم هو انعكاس لتجربتي الشخصية مع فقدان والدي، ومحاولة إيجاد معنى جديد للحياة وسط هذا الحزن"، يقول الروسان في حديث إلى "العربي الجديد".
يضيف: "الكتابة كانت وسيلتي للتعامل مع هذه المشاعر، استمرت عاماً كاملاً. كانت رحلة بين مواجهة الحياة الجديدة، والحزن الذي أصبح جزءاً منها، وبين البحث عن إجابة لسؤال محوري: هل يمكن تجاوز الحزن من دون أن نخسر أنفسنا؟".
استخدام الأبيض والأسود في تصوير الحاضر في فيلم "نمشي؟" ليس مجرد قرار جمالي. يرمز غياب الألوان في الحاضر إلى فقدان الاتزان والشعور بالنقصان الذي يعيشه عماد بعد وفاة والده. المخرج عساف الروسان يعبر عن هذا الخيار بقوله:
"تُبرز مشاهد الفلاش باك ألواناً دافئة وزاهية، تعكس دفء الذكريات وسحر الماضي الذي كان يضم الأب. هذا الانتقال البصري بين الأبيض والأسود، والألوان، يخلق تبايناً عاطفياً يدفع المشاهد إلى الشعور بتلك الهوة بين الحاضر الموحش والماضي الذي يحمل معاني الحياة. في السينما عموماً، الأبيض والأسود يُستخدم غالباً للتعبير عن الحزن والغربة، أو شعور الشخص بالعزلة، ما يعزز حالة عماد النفسية ويوصلها إلى المُشاهد بصدق".
في قلب الفيلم، نجد العلاقة العاطفية العميقة بين عماد ووالده، التي تصبح مركزاً للصراع الداخلي في عملية تخطيه هذه التجربة. يوضح الروسان: "منذ البداية، كانت تجربتي الشخصية المستندة إلى الذكريات والمشاعر الإنسانية هي الأساس في البناء العاطفي لشخصية عماد". يعكس الفيلم هذا الصراع النفسي لعماد في محاولة للتصالح مع هذا الفقدان واستعادة دوره داعما لأسرته.
يشيد الروسان بأداء محمد الجيزاوي، الذي جسد شخصية عماد: "العمل مع الجيزاوي كان تجربة استثنائية؛ إذ تمكن من نقل أبعاد الشخصية بكل صدق وإحساس، ما أضاف بعداً عاطفياً قوياً إلى الفيلم". يضيف: "أردت أن تصل تلك المشاعر بصدق إلى المشاهدين، أن يشعروا بما شعرت به، من دون أي مبالغة أو تصنّع. مع تقدم العمل في الإنتاج، أصبحت الشخصية أكبر من كونها انعكاساً لتجربتي وحسب؛ فقد تطورت لتصبح مزيجاً من مشاعري وتجارب الآخرين الذين شاركوا في المشروع، بمن في ذلك الممثلون الذين أضافوا أبعاداً جديدة وأعمق لشخصية عماد. كانت هذه العملية أشبه بشراكة فنية وعاطفية وضعت على عاتقي مسؤولية إيصال هذه المشاعر".
صناعة فيلم قصير في أول تجربة إخراجية هي مهمة شاقة بطبيعتها، وتصبح أكثر تعقيداً عندما يستند الفيلم إلى تجربة شخصية عميقة. في حالة عساف الروسان وفيلمه "نمشي؟"، التحديات كانت متعددة الجوانب.

رغم الجوانب الإيجابية العديدة التي يتمتع بها "نمشي؟"، إلا أنه لا يخلو من تحديات تجعله عملاً أولياً يمكن تحسينه في بعض الجوانب. أولاً، قصر مدة الفيلم جعل بعض العناصر السردية تبدو مختصرة، خاصة في تقديم الخلفية الكاملة لعلاقة عماد بوالده، ما أثر على تعمق المشاهد في القصة. ثانياً، الاعتماد المفرط على الصمت ولغة الجسد بما هما وسائل للتعبير عن المشاعر كان إضافة قوية، لكنه أحياناً ترك المشاهد في حالة من الغموض التي كان يمكن تخفيفها بحوار أوضح.
إيقاع الفيلم البطيء، وإن كان يعكس الحزن والثقل العاطفي للشخصية، قد يشعر بعض المشاهدين بالملل. هذا البطء، رغم فائدته في إظهار المعاناة، كان يمكن معالجته بتوازن أفضل بين التأمل والتقدم السردي. ومع ذلك، تُظهر هذه التحديات طموح عساف الروسان ورغبته في تقديم عمل فني يعكس صدق المشاعر الإنسانية. لكن المخرج يرى أن هذا الإيقاع يخدم السردية: "العمل على التوازن بين الصمت ولغة الجسد والكلام كان تحدياً كبيراً، لكنه أضاف أبعاداً قوية للشخصية". يضيف: "كنت أعلم أن البطء قد يكون مخاطرة، لكنه كان ضرورياً لخلق حالة من الغوص حول مشاعر عماد".
"نمشي؟" هو تجربة سينمائية تجمع بين الشعرية البصرية والصدق العاطفي. رغم تحديات الفيلم بوصفه عملا أول، إلا أنه يترك انطباعاً عميقاً لدى المشاهد، ويدعو إلى التفكير في معنى الفقد وقدرتنا على تجاوزه.
يقول الروسان: "الحزن والألم هما جزء من الرحلة الإنسانية. أردت أن أُذكّر الجمهور بأننا لسنا وحدنا في هذه المعاناة، وأن الدعم والمشاركة يمكن أن يكونا طريقاً إلى التعافي".

يُشار إلى أن عساف الروسان مخرج أردني حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، حاز على جائزة إربد الثقافية للإبداع عام 2007 عن مجموعته القصصية، لتبدأ رحلته في عالم السينما من خلال كتابة مراجعات الأفلام المستقلة منذ عام 2010. في عام 2018، شارك في ورشة صناعة الأفلام الرقمية التي نظمتها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، فأخرج فيلمه القصير "100 سنة تجميد". وفي عام 2021، اختير مشروع فيلمه الروائي الطويل "ابن الغريبة" ضمن مختبر راو لكتاب السيناريو.

المساهمون