منذ أعوام، يخفّ الاهتمام السينمائي "الجدّي" بأفلام عيد الميلاد. مفردة "جدّي" تعني مزيج الكوميديا والعائلة، بمعانٍ وقيمٍ. الكوميديا المطلوبة يُفترض بها أنْ تتحرّر كلّياً من تهريجٍ وتسطيح، يرتكز عليهما نصٌّ عادي ومفبرك ومتسرّع، يبغي إضحاكاً، من دون بلوغه أحياناً.
البلاهة، التي تتميّز بها شخصيةٌ ما، غير مُثيرة لانتباه أو متعة، غالباً. سرقة وإجرام وتجسّس، مسائل تحصل عشية تلك الليلة المنتظرة من عامٍ إلى آخر، أو في الأسبوع الفاصل بينها وبين رأس السنة. أنواعٌ مختلفة تندرج، بدورها، في إطار أفلام عيد الميلاد، وإنْ يحضر العيد بخفرٍ ومواربة في بعضها.
الجدّية حاضرةٌ. التساؤلات، المتعلّقة بالحياة والعلاقات العائلية والعاطفية والبشرية والاجتماعية، موجودة، كالتساؤل عن مدى حقيقة "بابا نويل (سانتا كلوز)". حياة "سانتا كلوز" نفسه، وعالمه واشتغاله، نواة حبكة وسيرة ومناخ بصري. ولكثرة أفلام هذا العيد، يكاد كلّ شيء يُطرح فيها، ما يُتيح سؤال "الجديد" في كلّ مشروع جديد.
آخر تلك المشاريع، "أفضل. عيد الميلاد. أبداً!" (2023) للأميركية ماري لامبرت (نتفليكس)، غير مُجدِّد، بقدر ما يستعيد فكرةً متداولة بوفرة، تتناول العلاقة الثنائية بين زوجين، وبين صديقين. وأيضاً: لن يكون كلّ ثري/ثريّة مرتاح البال، والعيد نفسه، باحتفالاته وتحضيراته وأجوائه، مُثير لقهرٍ بسبب خرابٍ في ذاتٍ وروح، إمّا لفقدان حبيب، أو لفراغٍ مُقيم في تلك الذات والروح. أي أنّ المال، وحده، غير مفيد وغير كافٍ وغير مُنتج فرحاً وراحةً وطمأنينة.
شارلوت ساندرس (هاثر غراهام) غير راضية كلّياً عن حياتها الزوجية، رغم مظهرٍ يشي براحةٍ ما، مع زوجها روب (جايزون بِغْس) وولديها غرانت (وايت هانت) ودورا (آبي فِلَسْمِلّ). صديقةٌ لها، جاكي جانينغز (براندي نوروود)، مثابرة على تقليدٍ ثابت: إرسال نشرة تتناول أخبارها وعائلتها. وعشية كلّ عيد ميلاد، تحاول جاكي تواصلاً غير مباشر مع صديقات وأصدقاء. روب نفسه زميل مدرسة، وصديق. لكنّ شارلوت منفصلة، إلى حدّ ما، وتريد لعائلتها انفصالاً أيضاً.
هذه المرّة، "يتدخّل" غرانت للإيقاع بعائلته: يريد تمضية فترة العيد في منزل جاكي، المتزوّجة من فالنتينو (مات سِدِنْيو)، ولها ابنة تُدعى بياتريكس (ماديسن سكاي فالِديم). يُحقِّق مبتغاه. الأيام اللاحقة تكشف ما يُفترض بالنص السينمائي (سيناريو تودّ كالجي كالّيغانو وتشارلز شاير، عن قصة لكالّيغانو) أنْ يكشفه: الظاهر لن يكون دائماً حقيقياً، والوجع داخلي قاسٍ ومؤلم. فلجاكي مُصابٌ، يتمثّل بموت ابنٍ لها، وهي تعيش في ذكراه. مغامرات تبدأ من رغبة شارلوت في "فضح" الظاهر في الحياة اليومية لجاكي وعائلتها، وتنتهي بمصالحةٍ، ذاتية وعامة، فأجواء العيد تريد فرحاً وحبّاً ومسامحة وتطّلعاً إلى أفقٍ أفضل وأجمل.
هذا كلّه مشغول بأسلوب عادي ومُكرّر، وتفاصيل عدّة مُتوقّعة، لكنّ مناخ العيد نفسه غير سارٍ هذا العام، ولا في أعوام قليلة ماضية.