فيلمٌ أميركي يكشف فساداً: مهنيّةٌ سينمائيّة لا أكثر

11 سبتمبر 2024
تيري ريتشموند (آرون بيير): ملامح تعكس حقيقة الشخصية (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **البداية الدرامية والتوتر المتصاعد**: فيلم "Rebel Ridge" يبدأ بمطاردة مثيرة بين سائق دراجة أفروأميركي وسيارة شرطة، مما يكشف عن فساد الشرطة. تيري ريتشموند، الجندي السابق، يسعى لدفع كفالة ابن عمه، لكن الفساد يعوق جهوده.

- **الصراع مع الفساد والتعاون غير المتوقع**: البلدة تعاني من فساد الشرطة والقضاء، مما يجعل مهمة تيري شبه مستحيلة. سامّر ماكبرايد، العاملة في المحكمة، تحاول مساعدته رغم الضغوط، ويجد فيها شريكة غير متوقعة.

- **التصعيد الدرامي والنهاية الإيجابية**: مقتل ابن عم تيري يدفعه لمواجهة الشرطة بصرامة. الفيلم يمزج بين الحركة والتشويق وكشف الفساد، وينتهي بانتصار الخير على الشر بفضل الجهود الفردية.

 

منذ اللحظات الأولى، يتبيّن أنّ مساراً غير سوي سيُشكِّل البناء الدرامي لـRebel Ridge، لجيريمي سالْنِيَر ("نتفليكس"، بدءاً من السادس من سبتمبر/أيلول 2024): سائق درّاجة هوائية أفروأميركي تطارده سيارة شرطة يقودها رجلٌ أبيض، يعترضه هو وزميل له في سيارة شرطة أخرى. يُفتّشان أغراضه، ويُصادران مالاً يقول الأفروأميركي إنّه ثمن بيع ملكيته بغرض دفع كفالة ابن عمّه قبل الخامسة بعد الظهر، ولتحقيق مشروع تجاري متواضع أيضاً.

لا رغبة سينمائية في إطالة التقديم. كلّ شيء مُحدّد بوضوح. هدوء تيري ريتشموند (آرون بيير)، مقابل إهانات لفظية متكرّرة تُغلّف بالتزام القانون، مُثير لريبةٍ، ويقول في الوقت نفسه إنّ ردّة فعل حادّة ستحدث قريباً. هذه أبرز سمة في أفلام التشويق، وبعضها يُعرّي فساداً حاصلاً في بلدات ومدن أميركية كثيرة، يصنعه رجال سياسة وشرطة ودين واجتماع: أنْ تكون الأمور كلّها واضحة منذ أول لقطة تقريباً، أو أنْ توحي الدقائق القليلة بوضوحٍ، لن يبقى محجوباً.

عنوان الفيلم (2024) اسم بلدة في ولاية ألاباما. كأي بلدة أخرى، تُظهرها السينما الأميركية كثيراً، تعاني البلدة أزمةً تنجلي لاحقاً: شحّ في الميزانيات، وسطوة خفيّة لرجال الشرطة، وتواطوء القضاء أو بعضه. تيري ريتشموند، الجندي السابق في البحرية الأميركية، يجهد في إنقاذ ابن عمّه، بدفع الكفالة المطلوبة (عشرة آلاف دولار أميركي). لكنْ، للشرطة رأي آخر، وفسادها أقوى من تسهيل أمرٍ بسيطٍ وقانوني كهذا. عطلة نهاية الأسبوع تُعطِّل جهده، ومُساعَدة تُقدّمها سامّر ماكبرايد (آنّاصوفيا روبّ)، العاملة في المحكمة، غير مجدية كثيراً، فالضغوط تحاصرها، والماضي الهاربة منه يُلاحقها ويُهدِّد يومياتها.

إصرار تيري على تحقيق مبتغاه دافعٌ إلى ارتكابه كلّ فعلٍ ممكن، محاولاً الحفاظ على هدوءٍ واحترام الآخر والتزام القانون. لكنّه يُدرك أنّ العفن متفشٍّ في البلدة، وأنّ الهدوء والاحترام والتزام القانون ستكون كلّها عوائق حادّة تحول دون إنقاذ ابن عمّه. ورغم عجزها شبه الكامل عن المُساعدة، تساهم سامّر، مع تيري، في الثأر من الجميع، بعد تهديدها مباشرة، ونبش ماضيها (إدمان على المخدرات)، والحؤول دون استعادة ابنتها من طليقها.

 

 

كالعادة، هناك أخيار قليلون وسط أشرار كثيرين، وبين الأخيار من يسرِّب تفاصيل عدّة عن الفساد وآلياته وأهدافه من داخل المؤسّسة المتسلّطة.

فيلمٌ عادي، يمتلك شرطاً تشويقياً ببراعة. ملامح آرون بيير تعكس نَفْساً توّاقة إلى خروجٍ آمن من خرابٍ، عبر جهدٍ يُبذَل لبدء حياة جديدة، تخلو من ثقل الماضي. مقتل ابن العمّ لحظة تحوّل درامي، تُكمِل اللحظة الأولى، مؤسِّسة المسار برمّته (فعلُ الشرطيَّين في بداية الحكاية). التربية العسكرية مُمَجَّدة عبر الالتزام الصارم لتيري بالقانون واحترام الآخر، إذْ ينادي الآخرين بـ"سيديّ"، قبل التوقّف عن ذلك إثر إهانته مراراً من رجال الشرطة، ورئيسهم الضابط ساندي بيرن (دون جونسون). لكنّ الإهانة غير مقبولة، والشراسة في التعامل مع الآخر تظهر في صرامةِ تيري بإحقاق حقّ مهدور، بأي وسيلةٍ.

التسلية حاضرة، فـRebel Ridge، بما فيه من حركة وتشويق وكشفِ فساد وخراب، ومن تمجيد أخيارٍ قلائل للغاية لمواجهتهم كتلة شريرة متماسكة ينتصرون عليها، يمنح تلك التسلية. مدّته (131 دقيقة) غير مُملّة، فشروط هذا النوع السينمائي مُنفّذةٌ بدقّة ومهنيّة. التوازن بين الخير والشرّ أساسيّ، والخاتمة إيجابية، والانتصار للحق وتحقيق العدالة منبثقان من جهدٍ فرديّ، بعد انحراف الجماعة (مؤسّسات دولة واجتماع، وأفراد ينضوون في الجماعة تلك قبولاً بها أو رضوخاً لها) إلى فساد وخراب، لسببٍ أو لأكثر، تُجمّلها الجماعة لتبرير أفعالها باسم مطالب "مُحقَّة".

أمّا القول بفساد مؤسّسات رسمية وقضائية واجتماعية (ودينية أحياناً في أفلام أخرى)، فعاديّ للغاية في صنع سينما أميركية، غير خاضعة لرقيبٍ يمنع ويُحلِّل وفقاً لنزواته. ورغم أنّ قولاً سينمائياً هوليوودياً كهذا غير نافع، فالفساد والخراب ينهشان جسد بلدٍ وروحه، تستمرّ هوليوود في إنتاج أفلامٍ تُشاهَد، بوفرة أحياناً، بغرض التسلية أكثر من هدف التمتّع بالسينما.

المساهمون